يقول مصطفى صادق الرافعي في كتابه أوراق الورد: «لم يقولوا في لغتنا «أما قبل»، ولم تخطر لأحدٍ قطّ، ولا يصحّحها وجه ولا تعليل، ولكني أضعها من أجلك، إنها كلمة حنّانة، فيها الحبُّ والذكرى.. قالوا «أما بعد» وسّموها فصل الخطاب، وأنا أقول «أما قبل» وأسمّيها وصل الماضي، وبها نجعل لما فاتنا ممّا نحبه أو نؤثره لساناً...». ومن هنا عمدت إلى هذه الزاوية فجعلت «أما قبل» عنواناً لها استجابة لرغبة مجلتنا الأثيرة «اليمامة» التي أولت هذا اليراع ثقتها، راجياً أن يرقى مداده لذائقة القراء الكرام .. أحاول في هذه الزاوية أن أراوح بين الحب والذكرى وبين وصل الماضي والحاضر وتناول ما فات واستشراف ما هو آت؛ ما بين آراء ورؤى، ومناقشة أحداث وظواهر؛ وشخصيات مواقف. «أما قبل»: فإن مما يستحق التأمل قبل هذا وذاك وقبل أي قول أو مقال واستدراك، هو هذه الأداة الأعجوبة التي أقسم الله تعالى بها وهي القلم، فهو للمتأمل يمثل حقاً سلطة ذات أثر وتأثير كبير استحالت في كثير من الأحوال والأحداث والمواقف من كونها سلطة رابعة إلى أن تتقدم فتكون الأولى أو الثانية وتتحكم بالمشهد..! وحيث إن القلم يمثل الأداة الإعلامية الأولى التي عرفها البشر فأرخوا بها تاريخهم وأشعارهم وعلومهم فإنه يملك قيمة كبرى ولا شك؛ فقد يقطع بلا سكين ويسجن بلا تهمة ويقود في زمن مضى الرأي العام في المجتمعات؛ أما في هذا الزمن الذي تقدمت فيه التقنية وتطور العلم وتكاثرت الأدوات الإعلامية فهل أضحت قيمة القلم رمزية؟ هل فقد القلم في زماننا بريقه؟ كثير هم القائلون بذلك، ولكن المتأمل يجد العكس فإن وسائل الكتابة والتقنية الحديثة تسهم بشكل فاعل في وصول مداد المبدعين وانتشاره وفعل الكتابة ذاته في ازدهار مع وجود هذه التقنيات؛ ولذا يبنغي ألا ينكسر في نفس المبدع هذا الفعل وهو الكتابة التي هي منشأ كل بهي؛ بمضمونها الراقي ومحتواها المبدع؛ ولذا يروى عن الخليفة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: عَقْلُ الكَاتِبِ قَلَمُهُ. وقال حكيم: الأقلاَمُ مَطَايَا الفِطَنِ. وقال بعضهم: عُقُول الرِّجَالِ تَحْتَ أَسِنَّةِ أَقْلاَمِهِمْ. إذا استمطرته الكف جاد سحابه بلا صوت إرعاد ولا صوت بارق كان اللآلي والزبرجد نظمه ونور الأقاحي في بطون الحدائق