تدار حالياً في بعض المحاكم جلسات محاكمة لأصحاب الفكر الضال، كما نشرت جريدة المدينة مؤخرا، بأن الجهات الأمنية القت القبض على 114 مشتبه به من معتنقي الفكر الضال خلال شهر شوال المنصرم في مختلف مناطق المملكة وجاري التحقيق معهم، كما أوضح الخبر أن عدد الموقوفين في سجون المباحث العامة وفقا لآخر بيان وصل إلى 2.893 شخصاً. الفكر الضال اليوم أصبح ظاهرة يعاني منها المجتمع ، والأفكار المنحرفة بكل أنواعها أصبحت منتشرة بين بعض فئات المجتمع ، ولئن كان الفكر الضال موجودا منذ القدم في معظم المجتمعات إلا أن صوته في الفترة الأخيرة أصبح عاليا وصورته أصبحت ظاهرة، وإن كانت بأشكال مختلفة؛ فالفكر الضال لا ينحصر في أولئك المتعصبين الذين لايقبلون إلا رأيهم ويلغون أي رأي آخر، ولا ينطبق فقط على من يفسرون الدين وفق أهوائهم لاوفق النصوص الشرعية ولايرتبط بمن لهم ارتباط بالدين فقط، بل يشمل أيضا أولئك الذين يلغون الدين من حياتهم اعتقاداً منهم بأن لا ارتباط بين الدين والحياة فذلك أيضا من أنواع الأفكار الضالة. الكثير من الآباء يتهاون وللأسف في متابعة الأبناء في صغرهم ولا يحرص على السؤال عن أصدقائهم وما يحملونه من أفكار، ولا يتابع الممارسات التي قد تصدر منهم، فيعيش الأبناء بمعزل عن آبائهم فكرياً على الرغم من وجودهم في منزل واحد، فالأب لم يسأل ابنه في يوم ما ماذا تقرأ؟ أو ماذا تسمع؟ أو ماذا تشاهد او تتابع من برامج؟ او مارأيك في قضية ما؟ بل قد يسافر الإبن دون أن يعرف الأب مع من سافر ابنه معتمدا على أن الأبناء من حقهم أن يرفهوا عن أنفسهم مع أصدقائهم، ويبقى هذا الأب في هذه الغفلة حتى يصدم بأن ابنه قد سافر إلى بعض مواقع القتال، أو أنه قد تم القبض عليه في بعض اوكار الفساد، وكل ذلك لأنه ترك ابنه ضحية لأصحاب الفكر الضال. هذا التهاون يساهم في ترك الأبناء يقعون فريسة سهلة لجميع التيارات الموجودة في المجتمع بمختلف أنواعها ، وهذا ما أكدته أطروحة دكتوراه عن الخصائص الإجتماعية والنفسية والفكرية لحاملي الفكر الضال في كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وقد أشارت الدراسة والتي كان مجتمعها هم المستفيدون من برنامج المناصحة الذي تقوم عليه حملة السكينة في المملكة بأن حاملي الفكر الضال هم المجتمع الكبير الذي يولد منه الإرهابي أوضحت العينة بأن 80% منهم أقل من 35 عام ، و 73% منهم مستواهم التعليمي ثانوي فأقل، و 82% من أفراد العينة المستوى التعليمي لآبائهم ثانوي فأقل و94% منهم المستوى التعليمي لأمهاتهم ثانوي فأقل، في حين تم نقل الفكر الضال لـ96% منهم من خلال الرحلات داخل المملكة و86% من خلال الأصدقاء . وهناك دراسة أخرى لنيل درجة الماجستير في العلوم الاستراتيجية من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أيضاً ، نشرت مؤخراً مع بدأ الموسم الدراسي بـعنوان «تصور استراتيجي لتعزيز الأمن الفكري من خلال مناهج التعليم الثانوي السعودي.. مقررات العلوم الشرعية أنموذجا» أوضحت بأن تعزيز الأمن الفكري في شريحة من المجتمع السعودي تمثل 25 في المائة من السكان، ألا وهم الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية، وهي مرحلة المراهقة التي قد تصبح عامل بناء في المجتمع أو عامل هدم، ولايمكن أن نساهم في بناء المجتمع ما لم نحرص على حماية أبنائه فكريا خصوصا وإن هناك العديد من الدراسات التي تؤكد بأن مجتمعنا يمر بمرحلة تغيير على كافة المستويات الثقافية والإجتماعية والاقتصادية وأن أسلوب حياتنا يتغير وأن الانفتاح الإعلامي والعالمي أثر على العديد من العادات والتقاليد مما يوجب أن نعيد النظر في مناهجنا وطريقة تفكيرنا وأسلوب تعاملنا كآباء مع أبنائنا وطريقة متابعتنا لهم. إن أكثر ما يدمي القلب أن ترى بعض هؤلاء الأبرياء من الأبناء وفي غفلة عن الآباء يتم غسل أفكارهم وتشويهها وإستبدالها بأفكار ضالة فترى الإبن يكفر أباه وأمه وإخوانه، بل ويشفق عليهم ويدعو الله لهم أن يعودوا للإسلام وفي المقابل تجد آخرين أصبحوا رهائن للشهوات والمخدرات والفساد وترك الدين بالكلية، كل ذلك لأننا تهاوننا في المحافظة على فكر أبنائنا من أن يختطف من قبل أصحاب الأفكار الضالة.