تتوجه أنظار السينمائيين منذ عدة أيام إلى أقدم المهرجانات الدولية في العالم، وهو مهرجان فينيسيا الذي سبق مهرجان كان في التأسيس. وإن كان التالي قد أصبح الأعلى مكانة، فلازال فينيسيا نداً قوياً له ويحاول رغم كل المنافسات مع مهرجانات دولية أخرى تتزامن معه في التوقيت، أن يحافظ على مستواه. والحقيقة أن الأفلام المشاركة في دورة هذا العام تحمل أسماء مهمة وأعمالا طال انتظارها، وخاصة في المسابقة الرسمية. فهناك أولاً فيلم جديد للمخرج المكسيكي المعروف أليخاندرو غونزاليس إناريتو، وهو فيلم الافتتاح بعنوان "Birdman". ورغم أن بوستر وعنوان الفيلم يوحيان بأن الفيلم عن بطل خارق لكن العكس هو الصحيح، فالفيلم يتحدث عن ممثل بهت بريقه بعد أن كان مشهوراً بدور بطل خارق وعليه أن يتجاوز غروره ومشاكله العائلية، محاولاً استعادة شهرته بتقديم دور مسرحي في أحد مسارح برودواي. وهو من بطولة مايكل كيتون وإدوارد نورتون وناعومي واتس وإيما ستون وزاك غاليفياناكيس. وقد أشاد النقاد بأداء كيتون وبالمستوى الفني للفيلم. والجدير بالذكر أن إناريتو هو مخرج الأفلام "Amores Perros" و"21 Grams" و"Babel" و "Biutiful"، وجميعها أفلام تميزت بسرد مختلف وأداء تمثيلي عال جداً وحصدت العديد من الجوائز. يشارك أيضاً في المسابقة الرسمية فيلم "The Look of Silence" لجواشوا أوبنهايمر، ويعد تتمة لفيلمه الوثائقي الرائع "The Act of Killing" والذي حاز العديد من الجوائز والترشيحات. ورغم أن كثيرين كانوا يتساءلون: ماذا يمكن أن يقدم أوبنهايمر في فيلمه الثاني بعد أن حلق بالفيلم الوثائقي إلى أماكن غير مطروقة، إلا أن معظم النقاد أشادوا بفيلمه الجديد، بعد عرضه في ثاني أيام المهرجان. ويبدو أن هناك اتفاقاً إلى حد كبير على أن الفيلم الجديد لا يقل عن الفيلم الأول في قوة موضوعه الصادمة وفي أسلوبه المختلف. وهناك أيضاً فيلم فاتح أكين The Cut الذي طال انتظاره عن مجزرة الأرمن، وهو من بطولة الممثل الفرنسي الجزائري الأصل طاهر رحيم (بطل الفيلم الفرنسي النبي)، ويلعب فيه دور حداد أرمني يجول العالم للبحث عن ابنتيه اللتين انقطع اتصاله بهما بعد أن بدأ العنف المنظم ضد الأرمن والذي انتهى بوفاة ما يقدر بمليون ونصف شخص من الأرمن على يد الأتراك. ويعد الفيلم الأعلى ميزانية في أفلام المخرج التركي الألماني فاتح أكين الذي كان دائماً يعتمد على السينما التبسيطية، والذي سبق أن حصد جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان عن فيلمه "The Edge of Heaven" عام 2007، كما حاز على جائزة الفيلم الأوروبي لأفضل سيناريو عن نفس الفيلم والعديد من الجوائز الأخرى. وهناك أيضاً الفيلم الأمريكي "بازوليني" الذي يترقبه العديد من النقاد، والذي يتناول أحداث اليوم الأخير الذي اغتيل فيه الشاعر والمفكر والمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني بعد أن دهس بواسطة سيارته الخاصة عدة مرات. وقد اعتقل شاب يدعى غيوسيب بيلوسي بتهمة قتله، لكنه وبعد تسعة وعشرين سنة، وتحديداً في 7 مايو عام 2005، تراجع عن اعترافه، وذكر أن ما قاله هو بسبب تهديده بقتل عائلته، إن لم يعترف بأنه هو القاتل. الفيلم من إخراج الكاتب والمخرج الأمريكي ذي الأصول الإيطالية والإيرلندية أبل فيرارا ومن بطولة وليام دافو. كما ينافس على جائزة الأسد الذهبي المخرج الفرنسي كزافييه بوفوا في فيلم "La Rançon De La Gloire"، ويشارك في التمثيل في هذا الفيلم المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي والممثل الجزائري رشدي زيم إلى جانب الممثل البلجيكي بنوا بوارفولدي والممثلة الإيطالية كيارا مستروياني. والجدير بالذكر أن بوفوا قد حاز على جائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان كان عن فيلم "بشر وآلهة" عام 2010. كما يشارك في المسابقة الرسمية المخرج السويدي روي أندرسون بفيلم "A Pigeon Sat On A Branch Reflecting on Existence". وقد ذكر في أندرسون في حديث له في جريدة الجارديان البريطانية أن العنوان الذي يمكن ترجمته ب"حمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود" يشير إليه، فهو الحمامة التي تتأمل. والمعروف أن أندرسون ينتقد دائماً في أفلامه انفصال الفرد عن المجتمع السويدي. وهو يؤكد بأنه في فيلمه هذا، كما في أفلامه السابقة مع التضامن والمشاركة. الجدير بالذكر أنه قد سبق أن حاز جائزة التحكيم الكبرى من مهرجان كان عام (2000) عن فيلم "Songs from The Second Floor". كما ينافس أيضاً على الأسد الذهبي المخرج الصيني وانغ شياو شوان (وانغ هو اسم العائلة ولكنه يقدم بالصينية على الاسم الأول) بفيلم "Red Amnesia". وقد سبق لوانغ شياو شوان أن نال جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين عام (2001) عن فيلم "Beijing Bicycle"، ثم حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان كان عام (2005) عن فيلم "Shanghai Dreams"، ثم عاد لينال جائزة الدب الفضي مرة أخرى من مهرجان برلين عام (2008) عن فيلم "In Love We Start". أما أبرز الأفلام الأمريكية الأخرى المشاركة في المهرجان، فهناك فيلم "Manglehorn" للمخرج ديفيد جوردن جرين ويقوم بدور البطولة فيه آل باتشينو وقد عرض رابع أيام المهرجان متزامناً مع عرض فيلم آخر لآل باتشينو، في نفس اليوم، ولكن خارج المسابقة، وهو فيلم "The Humbling". ورغم أن الأخير لم يحز إعجابا نقديا فقد أشاد النقاد بأداء آل باتشينو في الاثنين بشكل عام، وفي Manglehorn"" بشكل خاص، كما أشادوا بمستوى الفيلم بشكل عام. وهناك فيلم ""99 Homes لرامين باهراني، المخرج الأمريكي الإيراني الأصل، والذي يقوم ببطولته مايكل شانون ولورا ديرن وأندرو جارفيلد ونوا لوماكس. ويتحدث عن محاولة أب لاستعادة مسكنه، الذي طلب منه إخلاؤه، من خلال العمل لدى صاحب المكتب العقاري الذي تسبب في خسارته له. وهناك أيضاً فيلم ""Good Kill للمخرج وكاتب السيناريو أندرو نيكول وهو المخرج الذي سبق له أن حاز جائزة أفضل سيناريو عن فيلم "The Trueman Show"، ويقوم ببطولة فيلمه الجديد إيثان هوك. يروي الفيلم قصة طيار يبدأ في التساؤل حول مدى أخلاقية وظيفته، حيث يقوم من محل إقامته في الولايات المتحدة بالإغارة على مواقع طالبان من خلال طائرات بلا طيار تعمل بالتحكم عن بعد، وتنفيذ عمليات قتل. أما بالنسبة للتواجد النسائي داخل المسابقة الرسمية فهناك فيلم للمخرجة الإيرانية راخشان بني اعتماد بعنوان "Tales"، ويدور حول حكايات لشخصيات مختلفة، أغلبها نساء، تمثل شرائح اجتماعية مختلفة، وتخوص صراعات مختلفة. وهناك فيلم للمخرجة الفرنسية أليكس ديلابورتي بعنوان " La Dernier Coup De Marteau"، وهو عن صبي في الرابعة عشرة من عمره يتعرف على الموسيقى الكلاسيكية للمرة الأولى، فيما يعاني من غياب أبيه ويخشى من فقدان أمه. وهناك كذلك في قائمة أفلام المسابقة الرسمية، الفيلم الفرنسي "Far From Men"، لمخرجه ديفيد أولهوفين، وهو مقتبس من قصة "الضيف" للكاتب الفرنسي الراحل المعروف ألبير كامو. ومن المقرر لهذا الفيلم أن يعرض أيضاً في مهرجان تورنتو السينمائي، والذي يبدأ قبل انتهاء فينيسيا بيومين، ويستمر حتى الرابع عشر من سبتمبر. أما إيطاليا فتشارك بثلاثة أفلام في المسابقة الرسمية، أولها فيلم المخرج سيرفيو كوستانزو "Hungry Hearts"، وهو المخرج الذي سبق لها أن أخرج مسلسل "In Treatments" الأمريكي. كما سبق له أن شارك أيضاً بفيلم "The Solitude of Prime Numbers" بمهرجان فينيسيا في عام (2010). والفيلم الثاني هو "Leopardi" للمخرج وكاتب السيناريو ماريو مارتون. وأخيراً هناك فيلم "Black Souls" وهو إخراج فرانشيسكو مونزي. وسينتقل هذا الفيلم وفيلم كوستانزو إلى تورنتو خلال أيام من انتهاء عرضهما في فينيسيا. كما تشارك روسيا بفيلم بعنوان "The Postmans White Nights" للمخرج وكاتب السيناريو أندريه كونتشالوفسكي، وهو الكاتب الذي شارك المخرج الروسي الراحل أندريه تاركوفسكي في كتابة عدة أفلام أهمها فيلم أندريه روبلوف. كما تشارك اليابان بفيلم واحد بعنوان "Fires On the Plain" وهو من إخراج شينيا تسوكاموتو، الذي عرف بفيلم "كوتوكو" الذي نال جائزة أفضل فيلم في قسم آفاق في مهرجان فينيسيا لعام (2011). أما أهم الأسماء المشاركة في المسابقة الثانية "آفاق" والتي تلي المسابقة الرسمية في الأهمية، فأولها هو فيلم افتتاح المسابقة وهو فيلم "The President" للمخرج الإيراني المعروف محسن مخملباف. وهو أحد الأسماء المهمة في السينما الإيرانية وقد نال فيلمه "قندهار" جائزة التحكيم الكبرى في مهرجان كان عام (2001). وهناك أيضاً فيلم عربي طويل للمخرج الأردني ناجي أبو نوار بعنوان "ذيب" وهو أول تجاربه الإخراجية. كما يشارك في قسم "آفاق" للأفلام القصيرة المخرج الفلسطيني رامي ياسين بفيلم "في الوقت الضائع". كما يشارك الفيلم الفلسطيني "فيلا توما" في قسم أسبوع النقاد الدوليين الذي تتنافس فيه سبعة أفلام أولى لمخرجيها، وهو من إخراج سهى عراف ومن بطولة نسرين فاعور وعلا طبري وشيرين دعيبس وماريا زريق. ويتحدث الفيلم عن ثلاث أخوات يسكنّ مدينة رام الله وينتمين إلى عائلة أرستقراطية ويضطررن لإيواء ابنة أخيهن أثناء فترة الانتفاضة الثانية. وعلى صعيد الحضور العربي في الدورة الواحدة والسبعين لمهرجان فينيسيا الدولي، يجدر الإشارة إلى مشاركة المخرج الفلسطيني المعروف إيليا سليمان كعضو لجنة تحكيم في المسابقة الرسمية. وهو المخرج الفلسطيني الذي حاز فيلمه "يد إلهية" جائزة التحكيم الخاصة في مهرجان كان لعام (2002). أما أهم الأسماء في الأفلام المشاركة خارج المسابقة فهناك فيلم "One On One" للمخرج الكوري كيم كي دوك، وهو المخرج الذي حاز على الأسد الذهبي في فينيسيا عن فيلم "Pieta" عام (2012). كما يعرض خارج المسابقة فيلم "The Old Man of Belem"، وهو فيلم قصير للمخرج البرتغالي مانويل دي أوليفيرا الذي يعد أكبر مخرج سينمائي ما زال ينتج أفلاماً وعلى قيد الحياة، حيث يبلغ من العمر 105 أعوام، وهو المخرج الوحيد الذي حضر في حياته وأثناء عمله في الإخراج الأفلام الصامتة وعاصر الثورة الرقمية في صناعة الأفلام. وقد كانت فترة التميز والحضور الدولي له في السبعينيات والثمانينيات، وقد حصل على العديد من الجوائز ومن ضمنها الأسد الذهبي لمرتين من مهرجان فينيسيا عن مجمل أعماله. كذلك يعرض فيلم "الصخب والعنف" للأمريكي جيمس فرانكو وهو مقتبس من الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكي المعروف وليم فوكنر. كذلك يعرض خارج المسابقة فيلم بعنوان "Words with God" وهو عبارة عن 9 قصص لتسعة مخرجين ينتمون إلى ثقافات ودول مختلفة، ويتناول علاقة الناس بالدين وهي فكرة المخرج المكسيكي غيليرمو أرييغا ويشارك في العمل المخرج الصربي أمير كوستريكا والمخرجة الهندية ميرا ناير والمخرج الإيراني الكردي بهمان قوبادي. لاشك أن مهرجان فينيسيا استطاع بنجاح الصمود في وجه الكثير من الصعوبات، وخاصة تداخل تواريخ المهرجانات الأخرى معه، والكل يعمل بقوة على استقطاب الأفلام المهمة، ولكن يمكن القول ان أسماء المخرجين ومواضيع الأفلام حتى الآن قد نجحت في أن تبقى المهرجان في خانة الأهم لهذه الفترة، وأن تحفظ له تاريخه كأعرق المهرجانات السينمائية.