"هل هناك خلط بين دور المراجعة الداخلية وإدارة المتابعة"؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي.. فما الفرق بين الإدارتين؟ هذه من الأسئلة الشائعة التي يطرحها كثير من الجهات الحكومية حول إنشاء وحدة المراجعة الداخلية وتحديد اختصاصاتها وسلطاتها في الهيكل التنظيمي. فعند إنشاء إدارة المراجعة الداخلية حسب ما جاء في اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة، تصطدم الجهات الحكومية بمعضلة تتمثل في وجود ازدواجية بين هذه الإدارات وإدارة المتابعة في بعض المهام والاختصاصات. فقد تضمنت المادة (العاشرة) من اللائحة الموحدة، أن من مهام وحدة المراجعة الداخلية: التأكد من التزام الجهة بالأنظمة واللوائح والتعليمات والإجراءات المالية، والتحقق من كفايتها وملاءمتها، وتقويم مستوى إنجاز الجهة لأهدافها الموضوعة، وتحليل أسباب الاختلاف إن وجد، بالإضافة إلى تحديد مواطن سوء استخدام الجهة لمواردها المادية والبشرية، وتقديم ما يمكن الجهة من معالجتها وتلافيها مستقبلاً، وكذلك مراجعة العقود والاتفاقيات المبرمة التي تكون الجهة طرفاً فيها للتأكد من مدى التقيد بها. المهام السابقة لوحدات المراجعة الداخلية نجدها أيضا من ضمن مهام إدارات المتابعة، والتي حددتها اللجنة العليا للإصلاح الإداري قبل صدور اللائحة الموحدة بسنوات، وإن اختلفت إلى حد ما في الصياغة اللغوية، والتي منها على سبيل المثال ما يلي: • تهدف إدارة المتابعة إلى منع وقوع الأخطاء والانحرافات داخل الجهاز الإداري للوزارة والقيام بعمليات التفتيش المفاجئ على وحدات الوزارة الإدارية والمالية للكشف عن الثغرات والمخالفات واتخاذ ما يلزم بشأنها. • مراقبة سير العمل في الجهاز والوحدات التابعة له للتأكد من مطابقته للأنظمة واللوائح والإجراءات المعتمدة. • القيام بإجراءات الرقابة والتحريات اللازمة في مختلف أقسام الجهاز وما يرتبط به من وحدات للتأكد من سلامة العمل وترشيد الأداء. • متابعة سير أعمال الجهات المتعاقدة مع الجهاز وفق العقود المبرمة معه، وتحديد وتشخيص المعوقات التي تواجه تنفيذ المشاريع وتحديد الانحرافات وتقديم الحلول والمعالجات المناسبة لها. ومما سبق يتضح التشابه والازدواجية بين مهام المراجعة الداخلية وإدارات المتابعة، وقد حاول بعض المختصين في المراجعة نفي هذه الازدواجية بالقول إنه "لا يوجد هناك خلط بين دور المراجعة الداخلية ودور إدارة المتابعة، حيث إن المراجعة الداخلية تهدف إلى أن تكون شريكا في التطوير والتحسين وتطوير الأداء والأنظمة، فهي إدارة استشارية مستقلة تصدر التوصيات وتتابع دور إدارة المتابعة في تنفيذ التوصيات فهي ليست إدارة تنفيذية". ورغم الوجاهة المنطقية للرأي السابق، إلا أنه لا يقدم تعريفا واضحا للمراجعة الداخلية، ولا يحدد طبيعة دور المتابعة، وبالتالي تبقى إشكالية الازدواجية باقية، كما أن هذا الرأي يطرح تساؤلاً آخر وهو: هل إدارة المراجعة الداخلية تراقب إدارة المتابعة.. والعكس؟ فمن يراقب الآخر؟. البعض الآخر من المختصين، حاول التفريق بين الإدارتين، بالقول إن المراجعة الداخلية تختص بالمعاملات المالية فقط، وهذا ما حددته اللائحة الموحدة من خلال مراجعة أعمال الصناديق والمستودعات ومستندات التحصيل والصرف ومراجعة التقارير المالية والحسابات الختامية وتقييم النظام المحاسبي، أما إدارة المتابعة فهي مختصة بالأمور الإدارية وما يتعلق بها مثل متابعة إنجاز الخطط والمشاريع وتقييم الأداء ومدى مطابقة الإجراءات للأنظمة والتعليمات. والرأي السابق ينسف طبيعة دور المراجعة الداخلية والتي لا يقتصر دورها على التعاملات المالية والمحاسبية وحسب، بل تشمل أيضاً تقييم اقتصادية وكفاءة وفعالية أنشطة وبرامج الجهة الحكومية، ومدى الالتزام بالأنظمة والسياسات الإدارية، فهي وظيفة تقييم داخلية مستقلة لمراجعة كافة الأنشطة، وكخدمة رقابية للجهة الحكومية وبالتالي فإن هذا الرأي لا تقبله المعايير المهنية للمراجعة الداخلية والتي ترى بأن المراجعة عبارة عن "نشاط تقويمي واستشاري موضوعي ومستقل يصمم بغرض إضافة قيمة وتحسين عمليات المنشأة". وفيما تقدم، كان الحديث عن الازدواجية بين المتابعة والمراجعة الداخلية في المجال النظري، أما في الممارسة العملية فإن بعض الجهات الحكومية قامت بدمج الإدارتين تحت مسمى واحد "الإدارة العامة للمتابعة والرقابة الداخلية" كحل علاجي لهذه الازدواجية، تتكون من عدة أقسام إدارية (قسم المتابعة والرقابة الإدارية، وقسم المتابعة والرقابة المالية، وقسم متابعة التقارير والدراسات.. إلخ)، وهذا التنظيم الإداري في الحقيقة يضرب المراجعة الداخلية في مقتل من خلال إضعاف استقلاليتها، والتي أكدت عليها المعايير المهنية. فكما هو معلوم، أن من اختصاصات ومهام إدارة المتابعة الاشتراك في عضوية اللجان حسب ما يراه الوزير، وإجراء التحقيق في الشكاوى وما يحال إليها من معاملات في هذا المجال، بالإضافة إلى مراقبة حضور وانصراف الموظفين، وبالتالي فإن هذه الأعمال تنفيذية، تتعارض مع استقلالية المراجعة الداخلية، فكيف ستراجع أعمال شاركت في مسؤولية تنفيذها؟. وفي بعض الجهات الحكومية الأخرى، نجد أن المراجعة الداخلية مستقلة في التنظيم الإداري ولكنها في الواقع تكون تحت مظلة إدارة المتابعة بحكم الأقدمية، فنجد مدير المتابعة في مرتبة وظيفية أعلى من مدير المراجعة الداخلية، أما في حال كانت المراجعة الداخلية مستقلة فعلياً، فقد ينشأ تنازع في الصلاحيات بين الإدارتين أو تشيع المسؤولية بينهما عند ظهور مشاكل إدارية، أو عدم القيام بمهامهما ورميها على الآخر، أو تكرار المهام الرقابية لأكثر من مرة على الأقسام الإدارية داخل الجهة الحكومية وهكذا. لذا من المهم أن تتم إعادة صياغة اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية بحيث تشير صراحةً وبشكل تفصيلي إلى رقابة الأداء أو الرقابة التشغيلية كاختصاص أصيل لإدارة المراجعة الداخلية، فاللائحة في شكلها الحالي تؤكد على اختصاص الوحدة بالمراجعة المالية فقط، والقائمة على المراجعة المستندية القديمة، وإن أشارت بشكل غير مباشر إلى رقابة الأداء، والعمل أيضاً على إزالة الاختصاصات المتشابهة مع إدارة المتابعة من خلال تعديل الدليل التنظيمي للإدارة على مستوى الجهات الحكومية ككل.