لكي نفهم الخطر الحقيقي الذي تخلقه السياسة الإعلامية الداعشية التي تعتمد على بث مشاهد القتل وجز الرقاب والصلب والتنكيل بالجثث؛ علينا أن ننظر إلى تأثيرات ذلك على الجيل الناشئ والذي أصبح أكثر فأكثر أبعد ما يكون عن تمسكه بإنسانيته والتعاطي مع ما حوله بالسلام الداخلي والنظرة المتسامحة التي تفرقه عن الحيوان والجماد على حد سواء. فقد أثبت طبيبان من جامعة متشجن هما ليونارد إيرون ورويل هيوسمان أن الأطفال الذين يتعرضون لمشاهد العنف في وسائل الإعلام المرئي يعتبرون أكثر عنفا وارتكابا للجرائم بالمقارنة مع غيرهم، وأن العنف الذي يتلقونه عبر وسائل الإعلام يعد من الأسباب الرئيسة في تحويل الطفل إلى مجرم أكثر من عوامل أخرى مثل الفقر والتمييز العرقي. كما يرى الباحث من جامعة بنسيلفينيا جورج قرنر أن الطفل الذي يتعرض لمثل مشاهد العنف المستمر في وسائل الإعلام يكون أكثر من غيره عرضة ليرى أن العالم جله مليء بالأحقاد والكراهية والعنف، مما يؤثر على نفسيته وإقباله على الحياة بالشكل الذي يكفل له حياة سعيدة وناجحة اجتماعيا. إذًا فإن الحرب التي يشنها هؤلاء المجرمون الداعشيون تتجاوز في خطورتها الجوانب السياسية والاستراتيجية إلى كونها حربا نفسية تعمل على تفكيك البنى الشخصية للمجتمع العربي والمسلم، وتقوم بشكل متدرج على خلق مجرمين وسفاحين في مجتمعنا والذي ما زال للأسف يرى الخطر فقط باعتباره خطرا أمنيا لحظيا يمكن معالجته من خلال الإجراءات الاحترازية الأمنية والعسكرية. المشكلة هنا تكمن في كون مشاهد القتل والتنكيل تمكنت من جذب المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مشاهد إثارة وامتدادا لمغامرات برامج الواقع، وهي في صلبها السرطان الذي استفحل في الذهنية المجتمعية بحيث أصبح وسيلة تسلية ومادة حوارية ولقطات يستخدمها كل طرف لإثبات دعمه أو رفضه لذلك التصرف الشنيع، دون أن يعي أن خطر تداول تلك المشاهد على نفسية الفرد تتجاوز التداول ذاته لتحطم ما بداخله من إنسانية ورفض للعنف كتعبير إنساني للاختلاف. إنه خطر حقيقي، ولست على ثقة بأننا قادرون على مواجهته بالطرق التقليدية، ولكني آمل أن يخرج علينا علماء النفس والتربية بحلول فاعلة لتقي أبناء هذ الوطن من هذا الداء الذي يقتل ببطء إنسانية مجتمعنا ويخلق منه تجمعا بشريا لا يرى أن العنف مرض يجب العلاج والوقاية منه.