التوجه نحو جمع قضايا الأسرة الواحدة في محكمة واحدة لينظرها قاض واحد يُعتبر مثل هذا التوجه خطوة موفقة بالرغم من انها قد جاءت متأخرة، ذلك ان اقامة الدعاوى الأسرية أو ما يُسمى بــقضايا (الأحوال الشخصية) لينظرها قاض واحد كتلك التي تكون بين الزوجين على وجه الخصوص من طلاق ونفقة وحضانة الأولاد وزيارتهم وما يتصل بها ويتفرع عنها من دعاوى أخرى قد تتعدد أحياناً لتصبح حالة أشبه بالتكاثر الأميبي، لتكون سبب ازدحام العمل عند القضاة وتشتيت الجهد وضياع الوقت يعد توجهاً صحيحاً يوفر الكثير من مزايا حسن سير التقاضي بين الأطراف، علاوةً على عدم اتاحة الفرصة للأطراف للنكاية ببعضهم البعض دون واعز ولا ضمير كما يحدث في كثير من الأحيان من تشتيت كل طرف لوقت وجهد الآخر، ولقد ظلّت المرأة تدفع ثمناً غالياً بسبب مثل تلك الأوضاع وفي الغالب اننا نجد الأولاد هم ضحية كل هذا العناء، وبالطبع ان تجميع مثل هذه الدعاوى لينظرها قاض واحد فضلاً عن صحته يحتاج ايضاً إلى تشريعات منصوص عليها في قالب موحد تتوحد من خلاله الرؤية، حتى تأتي الأحكام متسقة مع بعضها البعض بما يحقق ثقة الجميع من قضاء ومتقاضين، وبما يحقق تقنين مثل هذه المسائل، ويتمثل التقنين المطلوب في مجموعة قانونية واحدة في نصوص جامعة مانعة تتيح للقاضي وللمتقاضي وضوح الرؤية في قراءة واحدة تمنع حدوث حالة التشتت الحادث الآن وتنهي حالات الازدواجية في العمل الواحد، والحق يُقال إننا نحتاج إلى وضع يحقق التوحيد الذي يجمع بين طرفي النزاع في المسائل الأسرية أمام قاض واحد وإن تعددت الدعاوى ذات الصلة، ما يحقق الكثير من المزايا، حيث تُتاح للقاضي سهولة النظر في المسائل الأسرية عبر نصوص موحدة ومتكاملة وشاملة تسهل للقاضي الدراسة والتأمل ومن ثمّ الاحاطة بكل جوانب النزاع الذي كثيراً ما يتفرع من مسألة واحدة تبدأ بالطلاق الذي تنتج بسببه دعاوى النفقة وحضانة الأولاد وزيارتهم وما الى ذلك من اجراءات ومسائل ما انزل الله بها من سلطان، وفي اعتقادنا أن مثل هذا التوحيد والتجميع ينهي ايضاً الحالة التي يعاني منها المحامي الذي كثيراً ما يجد نفسه موزع الجهد والوقت بين عدة محاكم لحضور عدة جلسات عن متقاض واحد هو أحد طرفي دعاوى متعددة أمام خصم واحد ايضاً، كما يتيح القانون المنصوص عليه ايضاً للقاضي وللمحامي الرجوع الى النصوص في شكلها الواضح والمحدد، ما يجعل المحامي عوناً حقيقياً للقاضي بصورة مُنتجة وفاعلة موجهة للهدف المنشود (العدل والرحمة)، حتى تنتهي حالات الاجتهاد الشخصي والتي قد لا تخلو في كثير من الأحيان من العيوب بسبب تشتيت الذهن ما بين اختلاف آراء الفقهاء بين راجح ومرجوح في المذهب الواحد، فما بالنا عندما يكون الأمر مرهونا بعدة مذاهب، كما ان وجود قانون في نصوص محددة وواضحة يساعد أيضاً المتعاملين في مكاتب فضّ المنازعات في محاكم الأسرة والقيام بدورهم على الوجه الأكمل والأشمل بما يُفضي إلى إنهاء النزاع في مراحله الأولية دون أن يمر بالكثير من التعقيدات كما هو الحال امام المحاكم وطريقة سير الدعاوى فيها. واذا جاز ان التوجه المعلن لتطبيق مبدأ تجميع القضايا الأسرية أمام محكمة واحدة لينظرها قاض واحد انه سُيطبق مؤقتاً في منطقة الرياض دون غيرها، ما يعني تقييد تطبيقه فقط في محاكم الرياض بغية معرفة مدى فعاليته ونجاحه، فإننا نرى أن هذا التقييد لم يكن موفقاً، وكان ينبغي ان يصدر التوجيه عاماً يعمم دون تقييده بمكان أو زمان محددين لكي يصبح قابلاً للتطبيق في جميع انحاء المملكة، وانّ تقييده بفترة تجربة في مكان معين من شأن ذلك أن يجعله عرضة للآراء الشخصية الضيقة التي لا تمت للهدف المنشود بصلة. ذلك ان المعاناة التي تواجهها الأطراف ويواجهها القاضي والمحامي في الرياض هي ذات المعاناة التي يواجهها الجميع في كافة أرجاء المملكة، ولا شك نحن في مملكة التوحيد نحتاج الى تعميق هذا المبدأ في كل علاقاتنا ومعاملاتنا في كل مكان، لهذا نأمل من الجهة المختصة ألا تقيد مثل هذا التوجه الحيوي ولو لفترة محدودة لكي تقرر فيما بعد مواءمته وصلاحه أو صلاحيته ومن ثمّ تعمم تطبيقه في بقية المناطق بالمملكة ، ذلك ان مثل هذا التوجه بتجميع القضايا الاسرية لينظرها قاض واحد ليس من المتصور صدوره الا بعد دراسة متأنية وتمحيص دقيق يؤدي الى التوصية للعمل به وما من شك انه يصدر من أُناس اكفاء ذوي نظرةٍ ثاقبة وخبرة متمرسة اتاحت لهم صحيح الرؤية وضرورة مثل هذا التطوير، وحيث إننا نرى أن هذا التوجه يعتبر من أهم الخطوات الإيجابية التي تتخذ على الإطلاق في هذا الجانب، فإننا ننادي بإطلاقه من أول وهله واتاحة الفرصة لتطبيقه في كافة أرجاء المملكة وفي وقتٍ واحد دون ترك الباب موارباً للتراجع عنه قبل تطبيقه تطبيقاً متكاملاً، بل ان مثل هذا التقييد من شأنه أن يجعل البعض يوجهون تفكيرهم للنقد والمآخذ فقط دون ان يتجه وعيهم ووجدانهم للمزايا التي لا نشك في أنها هي الغالبة. ما يستدعي تعميم الفكرة على كل انواع النزاعات أمام المحاكم ومن ثم تشريع القوانين لكافة النزاعات من مسائل مرتبطة ببعضها كالمعاملات المدنية والتجارية والمسائل الجنائية. ذلك ان المملكة تتطور في كافة المجالات وهي تتقدم في شتى المناشط، إلا انها لم تزل تحتاج الى نهضة واسعة لتطوير تشريعاتها وتطبيقها التطبيق الصحيح ذلك بتقنين كافة أعمال القضاء والأجهزة العدلية الأخرى المرتبطة بحياة الافراد والمجتمع ، ومن هنا ننادي بتشريعات محددة بنصوص جامعة مانعة والتسارع من اجل اصدار قانون الأسرة وقانون للمعاملات المدنية والنشاطات التجارية، وأيضاً قانون جنائي عام يشمل ما لم تحط به القوانين الخاصة القائمة الآن، ذلك لكي تنتهي حالة ارتباط مصير العباد بآراء شخصية محدودة لا تسلم في كثير من الأحيان من مجانبة الحق والعدالة، بحيث ان العدالة ادعى والرحمة أبقى وهذان المبدآن لا يتحققان الا في وجود قوانين في الصورة المنصوص عليها في مواد واضحة المبنى جلية المعنى للجميع ، ما من شأنه ان يسدّ كافة الثغرات التي لم تزل تعيب صحيح الفهم لمعنى العدالة والرحمة لدى الكثير مِنّا بسبب اختلاف الرؤى وفقاً لاختلاف المذاهب والآراء التي نستند عليها كمرجع بالطبع لا نستغنى عنه ولكن نحتاج الى ما يوحدنا حوله في صيغة واحدة وفي هكذا قوانين موحدة . وفي هذا لم نزل ننتظر دٌور العلم والمعرفة ومنسوبيها من علماء وفقهاء في الجامعات السعودية التي تشهد تطوراً كبيراً الآن بعد ما أُنشئت فيها كليات القانون منذ فترة ليست بالقصيرة . وكليات القانون هذه بالرغم من انها خرّجت العديد من دارسي القانون إلا اننا لم نلحظ وجوداً واضحاً لهؤلاء الخريجين في الأجهزة العدلية المختلفة وعلى وجه الخصوص في مجال القضاء الذي هو ادعى من غيره لجذب مثل هؤلاء الدارسين، ذلك حتى تكتمل حلقات التطوير المرجوة .