إذا كانت الصورة الفنية التقليدية قد اتسمت بالحسية والحرفية والشكلية لأن الشاعر العربي القديم كان يعمد إلى إخضاع مكوناته الداخلية للعالم الخارجي ناقلاً ما تراه حاسته البصرية من أهوال ومناظر وحيوانات، فكان يسعد حينما يتوافر له الرزق والكلأ والماء ويتخوف حين تنعدم في الطبيعة شروط الحياة. أما الشاعر الحديث فقد أخضع في صوره الشعرية العالم الخارجي لمكنوناته النفسية فطوع الطبيعة لتعبر عن أفراحه وأتراحه، لذا نجد أنه لم يكتفِ بتحرير الصورة الشعرية من تسلط التراث البياني عليها وربطها بذاته كما فعل الشعراء الرومانسيون من مثل ميخائيل نعيمة، والدكتور أحمد زكي أبي شادي، ونسيب عريضة.. وغيرهم، ثم انتقل بعد ذلك إلى جعل الصورة الشعرية تعبر عن الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها كما فعل شعراء تكسير البنية من مثل: بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وخليل حاوي.. وغيرهم. فإذا كانت الصورة الشعرية تركيبة فنية يلعب فيها الخيال دوراً أساسياً؛ فإن مهمتها الأولى نقل التجربة المراد التعبير عنها. من هنا فهي حادثة ذهنية قبل أن تكون استرجاعاً لمشهد معين لأن ارتباط الصورة الفنية بالجانب النفسي ضرورة يقتضيها النمو الداخلي للنص الشعري. يرى جل البلاغيين أن الصورة الشعرية البديعة هي التي يكون فيها الشاعر قادراً على أن (يجمع أعناق المتنافرات المتباينات في ربقة، ويعقد بين الأجنبيات معاقد نسب وشبكة) كما يرى البلاغي عبد القاهر الجرجاني في كتابه (أسرار البلاغة- صفحة 127)، وتكون بالتالي قادرة على خرق أفق انتظار المتلقي، ودغدغة مشاعره لجعله أكثر اندماجاً في تجربة المبدع ومشاركاً له في مقصديته. من خصائص الصورة الفنية في الشعر الحديث ضرورة الربط بين الوظيفة الدلالية والوظيفة النفسية داخل كل صورة، فهي (تتحول دلالتها إلى عنصر سلبي، إذا بلغ الافتراق بين هذين المستويين -الدلالي والنفسي- درجة معينة من الحدة) كما يرى الدكتور كمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي- صفحة 22). كما أن هناك خصائص أخرى تتسم بها الصورة الشعرية الحديثة وتدخل في إطار ما سبق ذكره، وهو قيام الصورة الفنية على التفكير الحسي بدلاً من أن تقوم على البرهان العقلي، واتكاؤها على الإيحاء بدل التصريح. إن مراعاة الجانب النفسي في الصورة الشعرية شرط أساس يحقق لها جاذبيتها ويضمن لها الفاعلية والتأثير، من هنا يكون دور المبدع ليس دائماً هو الاحتيال على المفردات التي تركب الصورة قصد شحنها بدلالات نفسية؛ بل يكفي أن ينصت إلى انفعالاته ومشاعره، وأن يستنطق لا شعوره وما خفي من الأحاسيس لكي يقدم صوراً شعرية يلعب فيها المجاز دوراً رئيساً.