×
محافظة المنطقة الشرقية

التعادل السلبي ينهي كلاسيكو الهلال والأهلي

صورة الخبر

يعاني الكتاب العربي المطبوع، التراثي والحداثي، من صعوبات كبيرة في النشر والتوزيع، ذلك بأن عدداً من الكتب التي تنشر وتوزع بالمشرق العربي لا تصل إلى بلدان المغرب. وبالمقابل، نجد أن كثيراً من الكتب التي تنشر في المغرب لا تصل إلى المشرق، أو تصل متأخرة، خصوصاً إذا كانت دار النشر التي طبعت الكتاب، وتكفلت بتوزيعه، لا تملك الإمكانيات التي تؤهلها لتوزيع الكتاب على الصعيد العربي، الأمر الذي يخلق فجوة بين تاريخ النشر وتاريخ القراءة. وهذا ما يجعل الباحث يضطر، في كثير من الأحيان، إلى انتظار المعارض الدولية التي قد لا تحل المشكلة، أو قد يلجأ إلى الاستنجاد ببعض الباحثين من أبناء البلد الذي نشر فيه الكتاب لتزويده بنسخة منه. وهذا ما حدث معي في حالات كثيرة، إذ اضطررت إلى طلب بعض الكتب من بعض المؤسسات والأفراد في المملكة العربية السعودية الذين استجابوا -مشكورين- لطلبي دون أدنى تردد، وزودوني بما طلبت من كتب دون تأخير. والسؤال الذي يفرض نفسه، في هذا السياق، هو ما الحل لهذه المشكلة؟ نعتقد أن الحل يكمن، على الأقل في الوقت الراهن، في اللجوء إلى ترقيم الكتاب العربي المطبوع؛ إذ إن هذا الترقيم يمكن أن يشكل حلاً لهذه المشكلة. فما الترقيم؟ وما أهميته؟ تدل مادة (رقم) في المعاجم اللغوية العربية على جملة من المعاني، أهمها: التعجيم، والتبيين، والكتابة، والقلم، والخط. يقول ابن منظور (توفي 711ﻫ): الرقم والترقيم: تعجيم الكتاب. ورقم الكتاب يرقمه رقماً: أعجمه وبينه. وكتاب مرقوم، أي قد بينت حروفه بعلاماتها من التنقيط. وقوله عز وجل: (كتاب مرقوم) كتاب مكتوب.. والمرقم: القلم.. والرقم: الكتابة والختم.. والرقم: ضرب مخطط من الوشي.. ورقم الثوب يرقمه رقماً ورقمه: خططه. ويعرف سعيد يقطين الترقيم Numérisation اصطلاحاً بأنه عملية نقل أي صنف من الوثائق من النمط التناظري إلى النمط الرقمي، وبذلك يصبح النص والصورة الثابتة أو المتحركة والصوت أو الملف، مشفراً إلى أرقام، لأن هذا التحويل هو الذي يسمح للوثيقة، أياً كان نوعها، بأن تصير قابلة للاستقبال والاستعمال بواسطة الأجهزة المعلوماتية. وهكذا، يتضح أن المقصود بترقيم الكتاب العربي، اصطلاحاً، هو تحويل هذا الكتاب، سواء كان مطبوعاً أم مخطوطاً، من صيغته الورقية إلى صيغته الرقمية، ليصبح قابلاً للمعاينة على شاشة الحاسوب. وتتعدد دواعي ترقيم الكتاب العربي ونشره إلكترونياً، ويمكن حصر هذه الدواعي فيما يأتي: - توفير الكتاب العربي وترويجه: يعد النشر الإلكتروني للكتاب العربي، التراثي وغير التراثي، مهماً جداً، وضرورة ملحة، لأنه سيمكننا من توفير الكتاب العربي، المخطوط والمطبوع، القديم والحديث، لعموم الباحثين والمهتمين في مختلف أقطار الوطن العربي. وفي هذا السياق يؤكد سعيد يقطين، الذي يعد أحد أهم الباحثين المتحمسين لترقيم الكتاب العربي، أن الانتقال إلى النشر الإلكتروني لتقديم الكتاب العربي مهم جداً لترويجه على نطاق واسع، وجعله موجوداً ومتوفراً. كما يؤكد أن هذا العنصر هو من بين أهم ما يمكن أن يفيد به النشر الإلكتروني العربي: فالعديد من الكتب العربية المطبوعة والنافدة طبعاتها، يصعب الحصول عليها أحياناً حتى في المكتبات العمومية والوطنية ما لم يعد طبعها. وهذا الحكم لا ينطبق على المطبوعات العربية القديمة فحسب، وإنما يمكن سحبه على عدد لا يستهان به من المطبوعات العربية الحديثة أيضاً، سواء كانت هذه المطبوعات كتباً أم مجلات. أما المخطوطات العربية فإن صعوبة الوصول إليها، والاطلاع عليها والبحث فيها، لا تخفى على أحد، خصوصاً إذا علمنا أن أغلب هذه المخطوطات متوفرة في مكتبات عالمية يتعذر الوصول إليها على كثير من الباحثين. من هنا، يؤكد يقطين أن النشر الإلكتروني للكتاب العربي يعد مجالاً حيوياً جداً، لأنه يسهل عملية تقديم الكتاب العربي وجعل أي عنوان منه متوفراً على الشبكة، أو على أقراص مدمجة. وهذا العنصر حيوي جداً لأنه يسهم في دمقرطة المعرفة، وإحداث تقدم ثقافي، وذلك بجعل المعرفة متاحة لكل من ينشدها. ثم لأنه يحطم، الحاجز الزمني الذي كان عائقاً أمام التواصل بين الكتاب والمثقفين العرب وجمهور القراء، إذ يجعلهم على معرفة في الزمن الواقعي بمجريات الإنتاج الذي يقدمه زملاؤهم في الأقطار العربية الأخرى وحيثياته، عكس ما كان الأمر عليه سابقاً. - حفظ الكتاب العربي من الضياع: إن ترقيم الكتاب العربي عامة، والتراثي خاصة، يعد ضرورة من ضرورات حفظ هذا الكتاب من الضياع، وصيانته، وضمان استمراريته، خاصة في ظل الظروف الصعبة والمتوترة التي تعيشها عدد من البلدان العربية التي كانت، إلى عهد قريب، من البلدان الرائدة في مجال نشر الكتاب العربي وتوزيعه. من هذا المنطلق، يؤكد الدكتور نبيل علي -في كتابه الثقافة العربية وعصر المعلومات- في سياق حديثه عن ترقيم التراث العربي، أن الرقمنة تعد أحد المطالب الفنية الأساسية للمحافظة على تراثنا العربي، الثابت والمنقول، المكتوب والشفاهي. وستزداد أساليب الرقمنة تعقيداً وكلفة، وربما نضطر، بسبب ذلك، إلى مقايضة بعض كنوز تراثنا مقابل حصولنا على خدمات الرقمنة تلك. وعلينا أن ندرك أن كل تراث لن تتم رقمنته، سيظل بمنأى عن المعالجة المعلوماتية الآلية، ليفقد قيمته تدريجياً، إلى أن يندثر تماماً. وتزداد عملية ترقيم الكتاب ونشره إلكترونياً أهمية عندما نستحضر مزايا النشر الإلكتروني، وخصائص الكتاب الإلكتروني، وهي عديدة لا يتسع المجال لذكرها. غير أنه تجب الإشارة، في الأخير، إلى أن ما ذكرناه سابقاً لا يعني مطلقاً أن ترقيم الكتاب العربي ونشره إلكترونياً، لتجاوز تحديات نشره ورقياً، وتخطي صعوبات توزيعه، لا تعترضه أي صعوبات أو مشاكل. بل إن هذا النشر بدوره تواجهه مجموعة من المعوقات والمشاكل، وفي مقدمتها مشكلة حقوق الملكية الفكرية، وعدم اعتراف الأوساط الأكاديمية بالقيمة العلمية للكتب الإلكترونية. لكن مع ذلك، فهذا النشر يمكن أن يشكل مدخلاً إلى الحل إن لم يحل المشكلة حلاً نهائياً.