كيف تقدّم نفسك؟ - مثقف عربي مسكون بهاجس الإبداع والدفاع عن قضايا الأمة. ما أحسن تقديم وقع لك؟ - كاتب مبدع ومفكر ملتزم. وما أسوأ تقديم؟ - مستشار الوزير. عملت مستشاراً إعلامياً مع عدد كبير من وزراء الثقافة في تونس مدة أكثر من ثلاثة عقود، من كان أفضلهم؟ - الأستاذ البشير بن سلامة والأستاذ الحبيب بولعراس والدكتور المنجي بوسنينة. كيف؟ - الأول يعتبر واضع أهم سياسة ثقافية في تاريخ تونس، والثاني فك أسر الفكر في أواخر الثمانينيات، والثالث هو صاحب أكثر عدد من الإنجازات في القطاع الثقافي. ومن منهم كان لا يستحق أن يكون وزيراً؟ - حتماً هو محمد العزيز بن عاشور، كان كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معان ودلالات. لماذا؟ - كان لا يملك لا خلفية معرفية ولا مرجعية فكرية ولا حتى حس المثقف. كيف استطعت أن تحافظ على موقعك مع كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة التونسية رغم تناقضاتهم واختلاف أمزجتهم وطرق عملهم؟ - لسبب بسيط جدا، هو عملي بالقاعدة المعروفة: الصدق في القول والإخلاص في العمل. يقال عنك في تونس إنك كنت الوزير الفعلي للثقافة.. هل هذه شائعة أم حقيقة؟ - هي في أغلب الأحيان حقيقة. ما أصعب موقف عشته مع وزير ثقافة من الذين عملت معهم؟ - يوم كتبت مقالاً في الشأن السياسي أربك أحد وزراء الثقافة وكنت مستشاراً لديه! هل صحيح أن هناك ما يصفونه ب «الربيع العربي»؟ - لطالما أضحكني هذا الوصف.. ولكنه ضحك كالبكاء! ماذا تعتبر هذا الذي يجري في دول ما يسمى ب «الربيع العربي»؟ - مؤامرة حيكت ضد الأمة في غفلة من أبنائها المخلصين. مستقبل شعوب هذه الدول إلى أين سيقودها؟ - إلى المجهول ما في ذلك شك. لو اعترضك يوسف القرضاوي في الشارع، ماذا تقول له؟ - أقول له: ما تروّج له في منابرك لا علاقة له بجوهر الإسلام ومقاصده. تصنيف المملكة العربية السعودية ل «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي ماذا تعتبره؟ - موقف مسؤول ينم عن وعي بالمخاطر التي تهدد ديننا الحنيف وحاضر أمتنا ومستقبلها. موجة الإرهاب التكفيري التي تجتاح العالم العربي والإسلامي، من وراءها؟ - أعداء الأمة في الخارج وعملاؤهم في الداخل. في رأيك كيف يمكن وضع حد لهذا الخطر الداهم؟ - باتخاذ المبادرات المسؤولة كتلك التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بشأن "الإخوان". كثرة الأحزاب السياسية في تونس والتي وصل عددها إلى 200 حزب، ما تفسيرك لها؟ - ضرب من ضروب الجهل بشروط التعددية وقيم الديمقراطية الغربية عن القائمين على شؤون هذه الأحزاب. كل هذه الأحزاب لا تفكر في الثقافة، لماذا؟ - لأن خلفيتها الجهل ومقاصدها التجهيل! في حالة الفوضى العارمة والانفلاتات والتسيب التي تمر بها دول «الربيع» العربي المزعوم هناك قناعة كبيرة لدى الناس بأن العرب ليسوا جديرين بالحرية والديمقراطية، ما تعليقك؟ - لأن الحرية والديمقراطية لا تنزلان تنزيلاً، كما أنهما ليستا بضاعة تعرض في سوق المزايدات الشعبوية والسياسية. كان من المفروض تنظيم الدورة 31 لمعرض تونس الدولي للكتاب هذه السنة، لكن قراراً رسمياً ألغى الدورة، كيف تصف هذا القرار؟ - نحن شعب لا يقرأ. وهذا القرار لن يغير شيئاً من الواقع السائد. كنت مديراً عاماً للدار العربية للكتاب، كم طبعت الدار من الكتب في عهدك؟ - المئات.. وأغلبها من أمهات الكتب. كتاب، أنت سعيد بموافقتك على طبعه؟ - «الفن الإسلامي في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط» والأعمال الكاملة للعلامة الشيخ الحبيب ابن الخوجة. كتاب ندمت على طبعه؟ - مخطوط مجهول لأبي القاسم الشابي، لم يضف إليه شيئاً! وكتاب تمنيت طبعه قبل خروجك من الدار؟ - موسوعة «أديبات سعوديات» كانت الدكتورة آمال موسى بصدد إعدادها. يقال إنك كنت صعباً في التعامل مع الكتاب الراغبين في طبع كتبهم، فبماذا ترد؟ - كنت صعباً مع «الرغبات» لأن مسؤولية نشر الكتب تتطلب الكثير من الصرامة الانتقائية. غياب المعايير المهنية والأخلاقية في الكم الهائل اليومي من المنابر السياسية في القنوات التلفزيونية جعل الناس يكرهون السياسة ويهربون منها، على ماذا يدل ذلك؟ - هي ظاهرة «التموقع» و«خطف الأضواء» لمن أكدوا إفلاسهم على جميع المستويات. كتبت كثيراً للإذاعة والصحافة، وما زلت تكتب، فما السبيل إلى حماية اللغة العربية من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والمعرفية في الحقل الإعلامي؟ - لا بد من تفعيل المجامع والمؤسسات المعنية بحماية اللغة العربية وإثرائها، وأعتقد أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) لهما الدور الأكبر في هذا المجال. من خلال متابعتك لها حالياً، بماذا تتفوق الصحافة العربية على غيرها من صحافة العالم؟ - بعضها أكد حضوره اللافت على الساحة الصحفية العالمية بالحيادية والمصداقية. وماذا ينقصها؟ - ينقصها الكثير من التفرد المرجعي، أي أن تكون إضافة نوعية عربية وسط الصحافة العالمية. صرحت منذ سنوات بما يلي: «لا بد من القطع النهائي مع سياسات الصمت الذي جعل من العرب رقماً خاسراً في كل معادلات العلاقات الدولية».. فماذا تقصد بالصمت؟ - الصمت الذي أعنيه هو التقوقع والانكماش والانزواء والسلبية. أكدت بعض الدراسات أن العرب هم أكثر أمم الأرض كسلاً واستهلاكاً، وأقلها عملاً وإنتاجاً.. ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟ - أجل.. هذه الظاهرة تمثل انحرافاً خطيراً عن القيم العربية الأصيلة وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف. يقول شيشرون: «عبقرية المرأة في قبلها».. ولكن ماذا في عقلها؟ - دهاؤها. شاعر تونسي تميزه على غيره؟ - مصطفى خريف، أراه في مستوى الشابي. شاعر عربي متفوق بنصوصه؟ - محمود درويش. كاتب سعودي يستحق التقدير تقرأ له باستمرار؟ - الأديب الكبير الدكتور غازي القصيبي، مذهلة هي روايته السياسية «سعادة السفير». أديب ظلمه مجتمعه وعصره؟ - الأديب الكبير يحيى حقي، فروايته «قنديل أم هاشم» ارتقت إلى مستوى لم يصله أي روائي عربي إلى حد الآن. أين نجح بورقيبة وأين فشل؟ - نجح في النضال ضد المستعمر.. وفشل في القضاء على «الديكتاتور» الكامن في ذاته. كتابك الأخير، ما نسبة مبيعاته؟ - «آفات وثقافات» نفدت طبعته من الأسواق. وكتابك القادم متى نراه في المكتبات؟ - في الموسم الثقافي المقبل إن شاء الله وعنوانه «الباب الخلفي لمكتب الوزير». بعد أسفارك ورحلاتك إلى مدن كثيرة في العالم، ما أجمل هذه المدن؟ - عاصمة النور باريس.. والجوهرة المضيئة جدة. وما المدينة التي تتعب فيها أعصابك؟ - الدوحة.. هي مدمرة للأعصاب رغم طيبة أهاليها الأصليين! وما المدينة التي وجدت فيها راحتك؟ - مكة المكرمة هي واحة الاطمئنان. أصدقاء طفولتك أين هم الآن؟ - في كل مكان.. وقد أعترضهم صدفة في بعض مدن العالم التي أزورها. هل ما زال للصداقة معنى؟ - أجل.. ولكن في محيط ضيق.. ويزداد ضيقاً يوماً بعد يوم. هل تشجع أبناءك على ممارسة الكتابة مثلك؟ - شجعتهم وكتبوا، ولكن الأول (حلمي) اختار مهنة الطب، والثانية (رهام) اختارت الدراسات التجارية العليا. لماذا؟ - لأن الكتابة هي سر الوجود ومدخل أساسي لكل الاختصاصات الأخرى، كنت أقول لابني الطبيب وما زلت أقول له: ما معنى أن تكون طبيباً ولا تكتب؟ إنجاز تفخر بأنك حققته في حياتك إلى حد الآن؟ - نجاح أبنائي، ورضا والدي رحمهما الله، ونقاوة مسيرتي الإبداعية والمهنية. وإنجاز عجزت عن تحقيقه؟ - إعداد مدونة الإصلاح الديني والفكري في الحضارة العربية الإسلامية، المشروع يتجاوز الطاقة البشرية الفردية. مسيرتك الحياتية والمهنية مليئة بالأحداث والمحطات وبالنماذج البشرية المختلفة، هل تفكر في كتابة مذكراتك؟ - أجل. هو كتابي القادم في جزئه الأول «الباب الخلفي لمكتب الوزير». * الكاتب والإعلامي التونسي