حققت موازنة السعودية فوائض ضخمة ومستمرة طوال الأعوام الماضية، ويأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتخصيص أموال ضخمة لحل أزمات ومشكلات الاقتصاد السعودي، إلا أن النتيجة بقاء الوضع على ماهو عليه، وربما أصبح أكثر سوءاً. والأزمات السعودية الثلاث الأهم، والأكثر شهرة وتأثيراً، هي أزمة الإسكان، والبطالة، وتضخم الأسعار، وهذه الأزمات ما زالت مستمرة، وتراوح مكانها، ولم يثمر صرف الأموال الضخمة في حلحلتها، بل إنها تعقدت، وتضخمت خلال فترة الوفرة والإنفاق عن وضعها زمن الشح والقلة. ولو نظرنا لوضع الإسكان، لوجدنا الوضع يراوح مكانه، وعلى رغم تخصيص 250 بليون ريال لحل أزمته، إلا أن وزارته ما زالت تراوح مكانها، ولم توزع إلى اليوم متر أرض واحد، ولم تسلّم منزلاً واحداً. بل إن كل ما تقوم به الوزارة هو اللعب على وتر الزمن، وتمديد الأزمة بمزيد من الوعود، والتصاريح المعسولة، ولكن نتاجها على أرض الواقع ما زال صفراً. وحتى مع توزيع الوزارة لأرض هنا وأخرى هناك، بحسب ما تعد به، فإن الأزمة لن تُحل، فما لم يتم ضخ عدد كبير من الأراضي، وفرض رسوم الأراضي البيضاء، وتحصيل الزكاة عليها، فكل ما تعد به الوزارة هو مسكنات لا أكثر. ويبقى المستأجر السعودي على حاله، ويبقى تملك السكن أحد أهم المصاعب في السعودية. فيما يخص البطالة، فمع إكمال وزارة العمل تنفيذ برنامجها المسمى نطاقات، إلا أن النتيجة غير فاعلة. فإحصاءات هدف تقول إن هناك 2.6 مليون سيرة ذاتية لطالبي العمل، في مقابل 27 ألف وظيفة فقط طرحها القطاع الخاص. ويزداد الألم حينما تقول الإحصاءات إن 541 ألف عاطل هم من حملة البكالوريوس، وهو ما نسبته 20 في المئة تقريباً من عدد العاطلين الإجمالي. هذه الأرقام غير مسبوقة للأسف في تاريخ الاقتصاد السعودي، وعلى رغم تشوه سوق العمل في المملكة، إلا أن النسب والأرقام وصلت إلى مرحلة لا يجب معها السكوت. وعلى الوزارة التفكير في طرق أنجع وأكثر تأثيراً من مجرد «نطاقات»، وقد عرجت مقالة الأسبوع الماضي على بعضها. في ما يتعلق بارتفاع الأسعار، فلا يمكن لأي منصف القول إن معدل ومتوسطات الرواتب في المملكة كافية، أو حتى قريبة من توفير متطلبات الحياة اليوم. فأسعار السكن، والإيجار، وتكاليف المدارس، والعلاج الخاص كلها ارتفعت بأرقام كبيرة تفوق كثيراً معدل زيادة الرواتب. كما أن احتكارات السوق، وغالبيتها احتكارات قلة، جعلت الأسعار في المملكة أعلى من مثيلاتها في دول الخليج المجاورة. فكلفة الاتصالات أعلى بحسب أرقام رسمية، وكلفة الحج والعمرة أعلى، واستقدام العاملة المنزلية يبلغ الضعف في السعودية عنه مع دول الخليج القريبة، وهلم جراً. بالتأكيد، فإن مشكلات الاقتصاد كبيرة وكثيرة، ولن تنتهي المشكلات طالما بقي إنسان على وجه البسيطة، ولكن لا يمكن أيضاً قبول أن تستمر المشكلة، وتتضخم، وتتحول إلى أزمة، وتتعقد الأزمة، والمسؤول يتفرج ولا يحرك ساكناً. وما كان يقال من عدم توافر الدعم المالي أيام شح الموازنة عذر لم يعد مقبولاً مع فوائض الموازنة، وكبر حجم المخصصات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين لحل المشكلات. إن الأموال التي تصرفها الحكومة على الاقتصاد في المملكة أمر لو حصل في دول أخرى لما بقيت لديها مشكلة واحدة، ولكنها لدينا ومع غياب التخطيط، وغياب المتابعة، وغياب الرقابة، وغياب المساءلة والمحاسبة، أصبحت النتيجة أن الأموال تصرف وتنفق أكثر وأكثر، والمشكلات والأزمات تتعقد وتتجذر أكثر وأكثر وأكثر. وهو أمر يجب فتح دفاتره، وعلاج أزمته وأخطائه قبل أن تذهب الطفرة، وتحل الفكرة، لنجد أنفسنا في أزمة نتيجة عدم حل الأزمة في وقتها وزمنها المناسبين.