مدير عام أفريقيا والشرق الأوسط بقلم الكاتب / عبد اللطيف الضويحى إذا لم تتقدم فأنت تتراجع، وخطوة لا تقربك من النعيم، هي بالتأكيد تؤدي بك إلى الجحيم. فلم يعد هناك نطاق محايد بين ذلك النعيم وذاك الجحيم.. فكل الإنجازات تتآكل والهويات تتلاشى والحقوق تتدهور إذا هي لا تتقدم. جميع الدول والأمم تقدمت وحافظت على هويتها وحقوقها ومصالحها كحزمة واحدة، ما عدا العرب والأفارقة، فالمراقب يلحظ التراجع المخيف لكل الإنجازات التي تم تحقيقها في أفريقيا والوطن العربي. يشترك العرب والأفارقة بالعديد من الخصائص التاريخية والنفسية فضلا عن الجوار الجغرافي المشترك. إن البكتيريا التي تسيطر على أفريقيا والوطن العربي وتدير الأفارقة والعرب حتى الآن، هي قيم القبيلة وليس بالضرورة القبيلة نفسها. فقيم القبيلة لا تزال بالغة التأثير على العمل السياسي والاقتصادي وعلى الهوية الوطنية الثقافية لدى الأفارقة والعرب، ولم يستطع الأفارقة والعرب بشكل عام أن يتجاوزوا تأثيرات وهيمنة قيم القبيلة وتأثيراتها على الثقافتين حتى بعد أن تجاوزوا القبيلة نفسها. قيم القبيلة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات هي معنية بمصالح وأمن وهوية القبيلة والمنتمين لها، وليست معنية بما عداها من علاقات مع كيانات أخرى إلا في الحروب، ولذلك تأخرت الدول العربية والأفريقية على صعيدين: بناء وتعزيز الوحدة الداخلية للدولة، وعلى صعيد بناء علاقات وتحالفات مع المحيط الثقافي القومي في كل من أفريقيا والوطن العربي. ولذلك تشهد أفريقيا والوطن العربي تدهورا في حقوق الإنسان، وانهيارات قيمية كثيرة اعتقدنا أننا تجاوزناها، ما جعل أغلب دول العالم والأمم تخرج من عنق الزجاجة التي تركهم عندها المستعمر، ما عدا العرب والأفارقة. هذا البعد جعل الدول العربية والأفريقية في حالة دفاع دائم ضد أزمات أصبحت شبه مستوطنة، ولم تستطع الدول العربية والأفريقية أن تخرج من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم ليس بالمعنى العسكري وإنما بالمعنى الاستراتيجي الإداري. ومن لا يملكون الإرادة والإدارة كي يتقدموا إلى الأمام هم في الحقيقة لا يملكون الوقوف حيث هم، لأنه لم يعد هناك منطقة وسطى بين التقدم والتراجع. الحالة العربية الأفريقية تشترك كذلك بالمستعمر الغربي وفي مقدمته المستعمر البريطاني الفرنسي والذي استعمر هاتين المنطقتين وغيرهما ويبدو أن شهيته لا تزال مفتوحة للعودة من الشباك بعد أن رحل من الباب. فهل هي الأزمة المالية التي لاتزال تلقي بظلالها على الاقتصادات الغربية هي ما يعيد المستعمرين إلى أفريقيا والوطن العربي، أم هو تنامي المنافس الآسيوي في السوقين العربية والأفريقية؟ وهل هذا النوع الجديد من الاستعمار هو ما تطلب إعادة إنتاج مفهومي الدول الأنجلو سكسوفونية والفرانكوفونية بمفهومين جديدين للاستعمار وبصورة محسنة للمستعمر. الأمر الذي جعل فرنسا وجيوشها تقاتل المنتج الغربي الجديد للإرهاب في أكثر من منطقة في أفريقيا وهل هو ذات الأمر الذي يجعل أمريكا (وريث بريطانيا) تحارب النسخة الجديدة من الإرهاب من إنتاجها في أكثر من دولة عربية وأفريقية؟ هناك حروب خفية على ما تحت الأرض وما فوقها على الساحتين الأفريقية والعربية بين الآسيويين بصدارة الصين والغربيين بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية كونهما أسواقا استهلاكية ودولا غير منتجة. المشهد العربي الذي يرسمه الإعلام يتصدره الإرهاب الجديد، هو مقدمة لاستعمار جديد من مستعمر قديم، خرج من الشباك ليعود من الباب. المشهد الأفريقي الذي يرسمه الإعلام تتصدره الأوبئة الجديدة على غرار وباء أيبولا. هو مقدمة لعودة العيون الخضر والزرق للقارة السمراء. إنهم ينتجون لنا الإرهاب ليحاربوه بنا، وإنهم ينتجون لنا الأوبئة ليكافحوها بنا. إنه من المؤسف حقا أن يفوت العرب والأفارقة الفرصة الثانية التي كانت أمامهم ليخرجوا من عنق زجاجة الاستعمار. المؤسف أكثر أن هناك جارا سرطانيا إسرائيليا لديه أكثر من طريقة للاستعمار والاحتلال، اختار له موقعا مشتركا بين الوطن العربي وأفريقيا، وهو الوكيل الحصري للاستعمار القديم الاستعمار الجديد وهو شريك تنفيذي لمشروع الشرق الاوسط وأفريقيا.