في لقاء جمعني بإحدى الزميلات التي لم أرها منذ مدة، حيث إن مقر عملهـا مختلف، أخذنا نتجاذب أطراف الحديث، ونطرح مختلف الأمور، ومن المواضيع التي وجدت نصيـبا من ذلك الحوار قصة شيخ يراجع لدى زميلتي بشكل دوري، لفت نظرها يقينه وتثبته رغم أن حالته متقدمة وعلاجها يسبب الكثير من الألم والجهد، ومع ذلك تجـده مبتسمـا أغـلب الوقت، ومتقبلا لأي تطورات أو تغييرات تقتضيها الخطة العلاجية الخاصة بمراحل مرضه. بل إن ابنه الذي يرافقه أغلب الوقت في تلك الزيارات، يبدو أكثر تأثرا وكأنه هو المصاب.. وهو أمر لم تغفل زميلتي الإشارة إليه ذات مرة حين ذكرت له (ماشاء الله.. الله يثبتك) فرق كبير بينك وبين غيرك هداهم الله.. فهم المريض أنها تعني تصبره على ما هو فيه، وبادر بقوله إن الله أنعم علي منذ نعومة أظفاري بوالدين أحسنا تربيتي والعناية بي، ثم رزقني بالزوجة والذرية الصالحة ومصدر رزق مبارك، وأمورا كثيرة كنت لها دائما حامدا شاكرا لفضله سبحانه.. ليس من العقل أن آتي في هذه المرحلة وأجزع، أو أتسخط من أمر كتبه الله، ولعل الخيرة والأجر من ورائه أعظم.. هنا استذكرت زميلتي ما نحن عليه من حال، من عجلة وقلة صبر في كثير من الأمور، كما قارنت بين هذا الشيخ والعديد من الحالات التي لا تقارن بحالة هذا المريض المسن، من حيث العوارض والألم ولكن للأسف تجد أصحابها متذمرين ومتشائمين وغير متقبلين لأي نقاش، أو ملتزمين بما يوصى به لأجل حالتهم، فليتهم يتخذون من هذا الشيخ مثالا، وهو أحد الأمثلة الكثيرة على الصبر والرضا بالقضاء والقدر، وهو الأجدر بنا كمجتمع مسلم مؤمن، وبلاده تحتضن الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، أن يتحلى بصفات تربى عليها منذ الصغر، لكن أسلوب الحياة السريع قد يكون أغفل عن كثير من هذه المبادئ والصفات والقيم. خيم الصمت لبرهة، وكأننا في لحظة تأمل في نعم الله علينا، وعلى كثير من عباده المسلمين، لكن بالمقابل يكون السؤال.. هل فعلا نحن نقابل تلك النعم بالشكر أو حتى أي مصاب بالصبر؟ هذه سطور آثرت طرحها عليكم؛ للاستئناس برأيكم، ونتأمل برهة في واقعنا، وأرجو الله أن يديم على الجميع جميع نعمه والصحة والعافية.