حروب المذاهب والأقليات في المنطقة العربية، هل ستفرض دويلات تستمر في النزاعات على مواقع الثراء والاستعانة بقوى خارجية لتثبيت الأمر الواقع، أم أنها مرحلة فرضها التاريخ الراهن الذي أعاد تعقيدات أصحاب الديانات والقوميات والمذاهب أن تمارس مكبوتها ثم تبدأ استعادة وعيها ضمن واقع جديد لدولة كونفدرالية، أو اتحاد على رقعة جغرافية لكل عنصر، ثم إعلان هذا الكيان على مبادئ شبيهة بما يسود أوروبا وبعض الدول الأخرى؟ فسورية التي جيّش الأسد العلويين في حرب بقية الشعب السوري بدأت أصواتهم تتعالى بأن القصور للسلطة، والتوابيت لأبناء الطائفة، وهو شعور جديد بأن تناقص القبضة العسكرية على باقي المدن بات واقعاً، وفي أفضل الأحوال لن يستطيع الأسد بأنصاره حكم سورية وأن الطريق للحلول السلمية وحدها هي من تنقذ الجميع حتى لو تم إزالة النظام القائم، وافتراض آخر يرى أن هذا التململ ربما يفضي إلى انقلاب عسكري من الأجنحة المتصارعة حتى يتم الحفاظ على حياة الأقلية العلوية. في العراق المالكي أخذ نفس الخط بتفريغ المدن من الطوائف الأخرى وحشر الأكراد في إقليمهم بدون صلاحيات، وهم من كانوا أول حلفائه، لكن الشيعة رغم أكثريتهم باتوا يشعرون أن لعبة احتكار السلطة بمكون طائفي واحد رغم المغريات التي نعم بها بعضهم ليصبحوا طبقة عليا تتمتع بامتيازات لا يحصل عليها غيرهم لكن انفجار الأقليات الأخرى وتحول الوسط والجنوب رهينة لداعش، باستيلائها على بعض آبار النفط والسدود، وتهديدها بجعلها أسلحة لها، ربما أيقظ الشعور العام عند كل الأطراف بأن سلامة الكيان الواحد ومن ثم صياغة مبادئ للتعايش ببلد غزير الثروات، جاء بطرد المالكي كأول واجبات إحياء الوطن الواحد، وهذا لا تستطيع فرضه دولة إقليمية أو عظمى حتى لو وجدت أي منهما أنصاراً ومشايعين لها، لأن طبيعة الموقف فرضت أن الحقوق يتساوى فيها الجميع أو أن الطريق إلى جهنم مفتوح على كل الاتجاهات كبديل قسري. لدينا تجربة حرب لبنان، وهي إفراز لظروف شبيهة بما يجري بسورية والعراق وقد تُركت تصارع الأقليات نفسها وحتى دخول إسرائيل في الحرب لم يعطها ذلك الأمل في بناء دولة مارونية مسيحية تتدفق عليها المعونات العسكرية والمادية لتكون حليفة لها، ونفس الأمر مع إيران وحزب الله، فقد استنزفتهما حرب سورية وقد تزيد من خسائرهما. جنوب السودان حقق انفصاله بمغريات إفريقية وإسرائيلية ودول أخرى لكن طبيعة التكوين لدولة تفتقد مقومات الحياة فجر ما كان مسكوتاً عليه بين القبائل، وقد وجد العاقلون أن تلك الخطوة كانت جنونية، وأنهم في ظل السودان الموحد، على كل سيئاته كانوا أوفر حظاً حتى مع الحروب الطويلة، والتمييز بين أبناء الشمال والجنوب الذي اتخذته حكومات الانقلاب ذريعة لها. هذه الأحداث المتلاطمة هل تنتهي بالتراضي وقفل المحاكم عمن أخطأ أو أجرم من أجل بناء دول جديدة تتلاقى عليها فضيلة العقل والفهم المشترك باستحالة قيام دولة الطائفة أو الأقلية، أم أن الأمور ستأخذ مجرى العنف، وهذا بذاته له حدود لأن الجميع سيشعر بعدم الأمان ثم العودة إلى التفكير السليم، وعودة الحياة إلى طبيعتها ولكن ضمن دساتير وقوانين تؤسس لمبادئ وفكر جديد يساهم فيه كل مكونات هذه الدول؟