من أكثر المسلسلات المصرية التي أثارت جدلاً في رمضان لهذا العام وأشاد بها العديد من النقاد هو مسلسل "السبع وصايا"، وهو يعرض حالياً في إحدى قنوات الإم بي سي. والسبب الأساسي في هذه الإشادة هو أن المسلسل يدخل مناطق مختلفة عما هو معتاد في المسلسلات العربية حيث هناك من صنفه بانتمائه إلى الواقعية السحرية، أو أدب العبث واللا معقول. وكان الجدل أيضاً يتناول عالم الصوفية التي يتحرك المسلسل في أجوائها، ويتناول فكرة الخلق والمعصية والاختيار كما تشير إلى ذلك شارة المسلسل المأخوذة كلماتها من قصيدة محي الدين ابن عربي "فلله قوم في الفراديس". وقد كان هناك من يرى أن المؤلف يسخر من الصوفية وهناك من رأى أنه يتناول الفهم الشعبي للحالة الصوفية في سخريته وهناك من رأى أنه إنما استقى بعض الموروث الشعبي الموجود ليكون حكايته الخاصة. ولكن أياً كان من يجادل حول مفهوم الصوفية في المسلسل، فقد كان للقصة مدلولات وإحالات عميقة وملفتة. والواقع أن المسلسل منذ الحلقة الثانية التي اختفت فيها جثة الأب، أوضح لنا نحن المشاهدين أننا أمام حالة مختلفة من المسلسلات، فليس من الطبيعي أو المنطقي أن تختفي جثة شخص ما هكذا دون مبرر، كما أن ما حدث للشخصيات بعد ذلك من تبعات الخطيئة الأولى في الاتفاق على قتل الأب وتشردهم في أماكن مختلفة من مصر كل منها تحوي ضريح ولي مشهور، وحضور الأب فيما بعد في أحلامهم، أعطى للحكاية أبعاداً رمزية وأضفى أجواء غامضة وبعيدة عن طريقة السرد التلفزيونية التي كانت عادة تعيد سرد الواقع بشكل حكائي. ولا بد من الإشارة إلى أن البعد الرمزي والجو الصوفي في الموسيقى التصويرية، والتي كانت تتخلل العمل وتحوي قصائد للحلاج وجلال الدين الرومي وعبدالقادر الجيلاني، كانت متماشية مع أحداث متواصلة ومتشابكة لا تترك مجالاً للملل، ولكنها تترك المشاهد ليتفكر فيها كثيراً لو أراد. فهناك شتات الشخصيات الرئيسية في بقاع الأرض بعد ارتكاب الخطيئة الأولى والخطايا الكبرى فيما بعد من قتل وسرقة واحتيال وطمع ثم تلجأ هذه الشخصيات مرة أخرى للأضرحة وتحاول البحث عن طريقة للتكفير. وقد كان المسلسل في حلقاته العشر الأولى يمضي بتصاعد جميل. وقد ساعد المونتاج وسلاسته في الانتقال من موقع إلى آخر إلى متابعة الشخصيات السبعة دون إحساس بالتشتت. كذلك فقد كانت المعالجة اللونية والإضاءة عوامل جذابة في خلق أجواء خاصة وإن كانت الديكورات داخلية ومتواضعة أحياناً، وقد أثرت بشكل عام على الشكل الفني للمسلسل. كما أن أداء الممثلين اختلف فمن تميز عالٍ في الأداء للمخضرمة سوسن بدر وهلا شيحة ووليد فواز وصبري فواز إلى تواضع أداء هيثم أحمد زكي ومحمد شاهين. كما أن المسلسل تذبذب في مستواه بعد الحلقات العشر الأولى كما هو حال كثير من المسلسلات العربية، وهي نقطة تم الحديث عنها في مقال سابق. فقد تم خطف نصف شخصيات المسلسل بنفس الطريقة، كما عانت بعض الحلقات من بعض الحوارات المباشرة والمفتعلة نوعا ما للتفسير والشرح، كحوار عرنوس (وليد فواز) مع الطبيب والشيخ لإعلامه بأنه يعاني من الصرع وأن ما يراه من أحلام هي من وحي عقله الباطن. أما الحلقة الأخيرة فقد كانت ربما أضعف حلقات المسلسل، وقد كان من الأفضل انتهاء المسلسل عند الحلقة التاسعة والعشرين والتي كانت مفاجئة في أحداثها ومكثفة وتضمنت مشهد الأخوة السبعة على الطاولة وفي الوسط الممثلة رانيا يوسف، والذي يشبه إلى حد كبير لوحة العشاء الأخير لسلفادور دالي، في مشهد مصنوع بعناية وبلغة فنية راقية تستحق الإشادة وتحسب للمسلسل على مستوى الأعمال التلفزيونية. يبقى القول إنه رغم كل نقاط الضعف التي شابت مسلسل "السبع وصايا"، فهو يظل حالة خاصة تشكل جرأة في التجريب على مستوى الشكل والسرد وتحسب للثنائي المتميز الكاتب محمد راضي أمين والمخرج خالد مرعي. ونتمنى أن يثير نجاح المسلسل تجارب أخرى بنفس مستوى الطرح والتجديد.