×
محافظة المنطقة الشرقية

الرئيس العام يستقبل روراوه ورئيس الوصيل

صورة الخبر

بمجرد أن تسلمت دعوة معرض موريتانيا الأول، بدأ الحديث والسؤال كيف وبأي حال سيكون المعرض؟؟ وتخوف الناشرون من احتمال أن يخسروا من وقتهم وجهدهم، وأيضا مصاريف سفرهم، وتكاليف المعرض، وبدأت التحضيرات والإجراءات، فقد استهلكت التأشيرة إلى موريتانيا بخلاف أكثر الدول صفحتين من جواز السفر، والسبب أن الطوابع هي من فئة قليلة، كان من الممكن اختصارها بطابع واحد، انطلقت الرحلة إلى تونس، ومنها إلى موريتانيا، كان وصولنا ليلا إلى العاصمة نواكشوط، بدت لنا مدينة هادئة فقيرة، ذهبنا إلى المعرض فكان واضحا ضعف إمكانيات الجهة المنظمة وقلة خبرتها، فقد حشروا كل شحنات الكتب مع بعضها البعض السورية، والمصرية، واللبنانية، والأردنية والسعودية، في مستودع واحد، فصار العمال كلما أخرجوا طردا من الكتب قرأوا الدولة واسم دار النشر، وهكذا بقي الجميع يوما كاملا حتى استلم كل منهم طروده، بدأ المعرض بحفل كلمات، وكان مخططا أن يلقي وزير التعليم العالي كلمته، ولكن جمعاً من الطلبة اتفقوا في الصفوف الأخيرة للمدرج أنهم لن يسمحوا له بإلقاء كلمته، ورجاهم البعض من زملائهم الذين انخرطوا في اتحاد الطلبة ألا يفعلوا، ولكنهم لم يقبلوا، وفعلا بدأوا بترديد شعارات وبصوت واحد، حتى أن الوزير لم يستطع أن يكمل كلمته وخرج قبل الأوان وكان من بين الشعارات «يا مجوع الطلبة». زار المعرض أغلب سكان نواكشوط وعبروا عن فرحهم بالمعرض، وكان ذلك واضحا على وجوههم، ولكنهم لم يستطيعوا الشراء لارتفاع أسعار الكتب قياسا لدخلهم، ولم تغادر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية المعرض، وكانت إذاعة المعرض تبث الأناشيد الوطنية على مدار الساعة وكلمات الترحيب ونشيدا أعد للكتاب كان لحنه مميزا وجميلا عجز الناشرون أن يعرفوا كلماته. كانت المبيعات قليلة جدا، فاضطر بعض الناشرين لأن يخفضوا أسعارهم إلى حد كبير لتخفيف الخسائر، ولم يعتد القراء على هذه الغزارة بالعناوين علما أن طلباتهم لم تتعد القرآن الكريم برواية حفص حصرا، إذ لم تكن القراءات الأخرى مرغوبة عندهم وبعضا من كتب التجويد والتفاسير فقط. الشعب الموريتاني هادئ طيب كريم، حدثني سوري مقيم منذ خمس: رأيت مرة فقط موريتانيين يتشاجران، تعاملوا معنا بكرم وطيبة، واعتبرونا فطاحل الناشرين العرب بكل المقاييس، وليس هناك غيرنا، وكان البعض من الناشرين ليس لديه دقيقة وقت، فوقته مغلق لوسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، فكانت الكاميرات كمكوك الحايك من مصباحها لمغربها، وكان في كل قاعة من قاعات المعرض مضيفة من طالبات الجامعة بلباس موحد جميل يساعدها مستخدم يسارع للقيام بأي عمل يطلب منه، ورأيت في نواكشوط ما لم أره في بلد إسلامي آخر، رأيت المرأة تصلي بجوار الرجل، وفي الطريق شاهدت عنزا سوداء وقد ارتفعت سيارة مرسيدس وهي تحاول بيدها إمالة هوائي السيارة الذي تعلقت به ورقة حتى التقطت الورقة بفمها وأكلتها، فجل أكل الماعز في موريتانيا هو الورق المستعمل في الدفاتر والكتب، ولذلك كان المزارعون الموريتانيون يحبون المركز الثقافي العراقي؛ لأنه يوزع عليهم الكتب السياسية فيطعمونها لماعزهم، ولذلك كان الرعاة يحيطون بالمعرض لما يخرج كثير من الورق، بعدها وكانت إذاعة المعرض تبث الأغاني الموريتانية المحلية التي لم نفهمها أبدا، فبدأ جمهور الناشرين العرب يطلب بعض الأغاني، ما شجع الأكراد على أن يطلبوا بعض الأغاني الكردية، وقلنا في أنفسنا على كل الحالات نحن لم نفهم الأغاني الموريتانية، فلا بأس أن نسمع أغاني كردية، كانت لجان الشراء تأتي للمعرض لتشتري، ولكنها كانت تغيب لنكتشف فيما بعد أن الشراء من المعرض لا يسمح بنسبة كبيرة من الفساد، فلهذا السبب ألغي موضوع الشراء في فترة المعرض من قاموس الفاسدين ليشتروا فيما بعد من وكلائهم، فانتهى المعرض وكانت نتائجه مربكة للجميع، والظاهر أن 90 بالمائة من الكتب ستعود إلى بلادها، علما أن الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد استقبل الناشرين وتبادل الحديث معهم في أمور الكتاب وأزمة الكتاب، وكانت وجهات النظر متطابقة وبالصدفة أو بالترتيب زار مستشار الرئيس المعرض بعد إغلاقه عندما كنا نوضب الكتب لإعادتها كل إلى بلده، ولما سأل عن البيع سمع عبارة : إننا لن نأتي مرة أخرى، فقال الرجل مستغربا: أمهلوني ساعة وغادر.. فقد كانت كل اللجان التي زارت المعرض للشراء من وزارة الداخلية كما تجري العادة في موريتانيا، فهي الوزارة المسؤولة عن الثقافة، وبعد ساعتين فعلا دخل رئيس جامعة نواكشوط إلى المعرض واستقبله الناشرون فقال كلام مختصرا: جمعت أرقام فواتيركم جميعا وكانت بـ250 مليون أوقية حسب أسعاركم، ونحن لدينا فقط 200 مليون أوقية، فان عملتم حسم 20 بالمائة اشترينا كل كتبكم فماذا قلتم؟ ورد عليه ناشر لبناني: نعم أنا بالنيابة عن الناشرين أقول موافقون ولم يعترض أحد، فقال: أعطوني مفاتيح القاعات وكانت اللحظات مؤثرة لنعرف فيما بعد أن الرئيس سحب المبلغ المخصص للشراء من وزير الداخلية عندما انكشفت الأمور وكلف رئيس الجامعة بالشراء.