ما أن قفل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عائداً إلى القاهرة بعد قمة عقدها مع خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو اللقاء الثاني للقيادة السعودية والمصرية، حتى أعلنت الرئاسة المصرية عن قيام الرئيس السيسي بزيارة إلى الجمهورية الروسية تلبية لدعوة الرئيس بوتين، وشهدت القمة التي عقدت في جدة اهتماماً كبيراً في الصحافة الدولية ووسائل الإعلام في البلدين، والتي تناولتها من منظور إقليمي واقتصادي بحت، فهل أعدت الرياض والقاهرة أجندتهما المشتركة قبيل هذه الزيارة التي من شأنها أن تثير حفيظة واشنطن التي تراقب عن كثب عودة الدفء للعلاقات المصرية – الروسية. منذ التحفظ الذي أبدته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على صعود وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي في الثلاثين من يونيو، وإمساكه بزمام الأمور في مصر، بدا وكأن علاقات القاهرة بواشنطن قد أخذت منحنى لا يبعث على الاطمئنان، لا سيما وأن البيت الأبيض دفع باتجاهٍ سياسي قرأه الرأي العام المصري على أنه داعم للإخوان وهو ما انعكس سخطاً على واشنطن، التي اعتبرت ما حدث أمراً يخالف الديموقراطية، وقررت إيقاف المعونة التي كانت تقدم إلى الجيش المصري في وقت سابق. هذا التوجه، دعمه شعور سائد في المنطقة تجاه سياسات الولايات المتحدة وأسلوب تعاملها مع الأزمات التي مرت بالمنطقة، وخصوصاً أسلوب التعاطي مع الأزمة السورية والملف النووي الإيراني، خصوصاً من وجهة نظر الرياض التي جعلت وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل يتحدث عن خلاف تكتيكي مع البيت الأبيض. تشكلت المعطيات السياسية في ذهن صانعي القرار في الرياض والقاهرة من أجل اتخاذ خطوات باتجاه صياغة التحالفات الاستراتيجية، إذ تبين من خلال الأزمة التي تمر بها المنطقة العربية أن من شأن الانفتاح على القوى الدولية الأخرى، أن يؤمن تحركاً سياسياً سلساً على الساحة الدولية، ويبعث في نفس واشنطن شعوراً بالضيق والخوف من الدخول في شكل من أشكال الحرب الباردة. وكان أن كرّست الرياض والقاهرة هذا الشعور بزيارات متتالية إلى روسيا على مستوى وزراء الخارجية والاستخبارات والدفاع، وكان للزيارة التي قام بها المشير عبدالفتاح السيسي فبراير الماضي إلى الكرملين، والذي أعلن منه الرئيس بوتين دعمه السيسي لأجل الترشح للانتخابات الرئاسية، أبلغ الأثر لدى واشنطن التي نما إلى علمها قيام القاهرة بعقد صفقة أسلحة روسية، وهو ما آثار حفيظة البيت الأبيض الذي يقرأ في هذا تحولاً كبيراً ورسالة سياسية مهمة، وما أن انتهى لقاء بوتين – السيسي في موسكو حتى شهدت القاهرة تردداً غير طبيعي لمسؤولي وزارة الدفاع الروسية على العاصمة القاهرة، وهو ما غذى شكوك الولايات المتحدة بأن مصر أحيت تحالفها القديم مع روسيا. ولاشك أن الزيارات التي قام بها مسؤولون سعوديون بارزون على رأسهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات السابق الأمير بندر بن سلطان، جعلت واشنطن تسلم بالتوجه السعودي – المصري نحو البحث عن حلفاء جدد بعيداً عن واشنطن. ينتظر أن تخرج القمة المصرية – الروسية بمحصلة عام من المباحثات والزيارات بين مسؤولي البلدين، لاسيما وأن القاهرة تبدو اليوم منفتحة تجاه التعاون الدولي خصوصاً في مجالي الاستثمار والتعاون العسكري أكثر من أي وقت آخر. كما أن واشنطن تخشى أن يؤدي التعاون بين القاهرة وموسكو إلا أن تضع الأخيرة موطئ قدم لها على ضفاف البحر المتوسط في وقت يزحف الناتو شرقاً تجاه روسيا.