في آخر مقال تحدثت عن ظاهرة سماع بعض الأصوات الغريبة في مواقع الأحداث التاريخية العريقة.. وضربت مثلا بسماع أصوات قتال، وصهيل خيل، وقرقعة سيوف في وادي اليرموك حيث وقعت المعركة المشهورة بقيادة خالد بن الوليد وكذلك في بلجيكا حيث لا يمر عام الا وتنشر الصحف شهادات لمزارعين يدعون انهم سمعوا أصواتا من معركة واترلو التي هزم فيها نابليون عام 1815!! وفي نهاية المقال أشرت الى أنني (سأحاول) تفسير ما يحدث من وجهة نظر فيزيائية بعيدة قدر الإمكان عن التفسيرات الخارقة أو غير المنطقية.. والجميل أن تفسيرها بهذه الطريقة أسهل من تفسيرها بطريقة خارقة، وأكثر معقولية من السفر إلى الماضي لرؤية الأحداث كما وقعت وكما هو محور روايات خيالية كثيرة.. فبالنسبة (للاستماع) نحن نعرف أن الصوت يحدث حين يحرك احدنا لسانه فيحدث تموجات في الهواء تدخل الى أذن المستمع.. ولكن هذه الموجات تسبب ايضا تموجات في الأثير تظل تنعكس بلا نهاية حتى تعم الفضاء بأكمله. وهذا يعني أن الفضاء حافل بالأصوات التاريخية القديمة التي تنتظر من يستطيع التقاطها وإعادتها إلى صورتها الأولى – وهو احد التطبيقات التي كان يؤمل تحقيقها مما كان يعرف بمشروع "حرب النجوم" الذي تبناه الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان! غير ان المشكلة تكمن في القدرة على تمييز الصوت المطلوب من بين ملايين الأصوات التاريخية المتداخلة . أما عدا ذلك فنحن نملك في عصرنا الحاضر جهاز "الراديو" الذي يلتقط موجة الأثير المطلوبة ويستخرج الصوت الذي تحمله من بين آلاف الموجات المشابهة.. ولكن الفرق بين جهاز الراديو والجهاز المأمول تحقيقه هو أن الراديو يستطيع التقاط الموجة الأثيرية المطلوبة في وقت بثها بينما المطلوب من جهازنا العتيد القدرة على التقاط الموجات الأثيرية (بعد بثها بمدة طويلة)! وحين ننجح في إنجاز كهذا ستكون الخطوة التالية هي استعادة (الصور التاريخية القديمة) وضم الجهازين المرئي والسمعي في جهاز واحد !! واستعادة الصور القديمة تعتمد على قدرتنا على التقاط صور حرارية لأحداث وقعت قبل زمن بعيد (ونقول قبل زمن بعيد لأنه يمكن حاليا تصوير أحداث وقعت قبل ساعات من التقاطها من خلال البصمة الحرارية التي تتركها خلفها ويشعر بها من يجلس على الكنبة بعدك).. فنحن نعرف أن كاميرات التصوير العادية تستخدم الضوء لتشكيل الصورة (من خلال تمييز الظلال في المنظر ذاته) ؛ ولكن هناك كاميرات من نوعية مختلفة تعتمد على الحرارة في رؤية الأجسام بدلا من الضوء وتلتقط صورا للأجسام (الحية والجامدة) بفضل موجات الحرارة الصادرة منها! وما يميز التصوير الحراري عن الضوئي أن موجات الحرارة (تبقى بعد ذهاب الجسم) بينما الضوء يزول فور زوال مصدره. وهذا يعني ان الكاميرات الحرارية تستطيع التقاط صور الأفعال التي صدرت منك قبل ساعتين مثلا بفضل موجات جسمك الحرارية التي خلفتها وراءك !! هذه الظاهرة تستعمل اليوم في مناظير الرؤية الليلية وتلسكوبات المراقبة الحرارية. وأول محاولة تصوير حراري ناجحة تعود إلى عام 1960 حين نجح العلماء في تصوير فضاء نيويورك بواسطة كاميرا حرارية لرؤية طائرة تجارب حلقت قبل فترة بسيطة !! وبالجمع بين الأصوات والصور القديمة يمكن لشركة مثل سامسونج أو آبل اختراع (تلفزيون تاريخي) تعود محطاته عبر الزمن بحيث يمكننا الاستماع إلى "خطبة الوداع" أو رؤية معركة "اليرموك" أو رؤية تسونامي سومطرة أو تفجير أول قنبلة ذرية في التاريخ !