×
محافظة المنطقة الشرقية

تدشين مهرجان "صيف الشرقية" بالدمام .. الليلة

صورة الخبر

من أبرز الظواهر السعودية، كون أغلب المدافعين عن حقوق المرأة والمعارضين لها في المملكة هم من الرجال، فالمرأة كانت وستظل ساحة صراع بين تيارين فكريين في المجتمع، لكل منهما رؤيته الخاصة حول مستقبل الدولة ونموذجها التنموي. في أغلب الأحيان ليس للأمر علاقة بالمرأة بقدر ما له علاقة بصراعات الرجال من أجل فرض رؤيتهم. قضية الساعة الرئيسة الآن هي حق المرأة في القيادة، بعد أن كانت حقها في بيع مستلزماتها النسائية في المحلات، تتبدل المواضيع وتظل نفس المياه تجري تحت نفس الجسر. شكلت السنوات الأخيرة تطورا لافتا من حيث دخول المرأة نفسها (وهي المعنية بالأمر) إلى ساحة الصراع بشكل كبير كما وموضوعا، بعد أن كان الأمر مقتصرا على بعض الناشطات، فبرزت حملات المرأة، سواء الإعلامية (في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي) أو الفعلية كحملة قيادة السيارات، إلى الوجود، مقابل حملات مضادة من المرأة نفسها، سواء اللاتي اعترضن على قيادة المرأة بحجج متعددة أو مثل حملة (ولي أمري أدرى بأمري). لكن اللافت في كل ذلك، أن هذه الحملات، سواء المؤيدة أم المعارضة، لم تكن نابعة من تشكل لحركة نسوية حقيقية، بقدر ما كان الأمر استمرارية للصراع الذي أسسه الرجال في خلافهم حول الموضوع، وبالنسق نفسه والحجج ومنهجية الخلاف. دخلت المرأة الصراع عاملا مساعدا، لا عاملا منفردا هو بالأساس المعني بالمشكلة. ويمكن ملاحظة هذا الامر من خلال نقطتين رئيستين: أولا: آليات الصراع: دخلت المرأة بقوة على ساحة هذا الصراع الفكري (كحقها في القيادة) نتيجة ثورة الاتصالات وقنوات التواصل الاجتماعي باستخدام ذات الآليات التي استخدمها دعاة حقوق المرأة من الرجال في صراعهم من أجل النموذج التنموي للدولة، فاستخدمت مفردة "الحقوق" كنقطة انطلاق أساسية (وهو بلا شك حق مكفول لها)، عوضا عن مفردة "الحاجة" التي عدت نقطة الانطلاق الأساسية للحركات النسوية الناجحة على مر التاريخ، والتي مكنت النسوة من توحيد صفهن للمطالبة بحقوقهن. فالحاجة بوصفها خطا تنطلق منه أي حركة نسوية سوف يتعامل مع احتياجات المرأة كامرأة في المجتمع، لا معها كجزء من منظور الرجال نحو المجتمع بشكل عام. على أن الحركة النسوية الداعية لحق المرأة في القيادة انسحبت عليها آليات صراع الرجال ذاتها، فباتت تنافح عن حقها من منطلق التفسير الديني أو الاجتماعي لهذا الحق، فانقسمت المرأة نفسها حول حقها، وأصبحت تستخدم آليات الرجل نفسها في النقاش حول حقها الذي هو حاجة لها، بينما هو في المقابل مجرد اختلاف بين الرجال حول ما يجب أن يكون عليه المجتمع، والمرأة بالنسبة له ليست سوى جزء من قضايا هذا الاختلاف. ثانيا: مناطق الصراع: دخلت المرأة مهمومة بشكل أساس بقضايا حق القيادة وحق السفر دون موافقة ولي الأمر، وهي قضايا ـ رغم أهميتها البالغة ـ تعد قضايا مخملية لا تعبر عن السواد الأعظم من مشاكل المرأة في المجتمع. أغلب النساء في المجتمع وإن حصلن على حق القيادة، لا يملكن ما يكفي لشراء سيارة، وأغلبهن ـ وإن حصلن على حق السفر دون موافقة ولي الأمر ـ لا يملكن ما يكفي للسفر وحدهن. لو أن المطالب النسوية منطلقة من حاجة المرأة الفعلية لتصدرت قضايا المعنفات والمطلقات وحقوق المرأة في العمل قائمة المطالب. منطقة الصراع التي انجرت لها مطالب المرأة هي المنطقة ذاتها التي شكلت ساحة صراع بين الرجال، كونها نقطة الاحتكاك، ما يجعل حركة المطالبة بحقوق المرأة (رغم وجاهتها وأحقيتها) حركة لا تعبر عن المرأة بشكل تام وهو ما يضعفها. وهناك الكثير من الأمثلة عن الحقوق التي تخص السواد الأعظم من مجتمع النساء في المملكة التي تظل دون مستوى الاهتمام من المرأة قبل الرجل: ١- لا توجد قوانين واضحة تخص فتيات "دور الرعاية" والإصلاحيات، ولا برامج إعادة دمج في المجتمع. بعض الفتيات يتبرأ منهن أهاليهن ولا يخرجن من تلك الدور حال رفض ولي الأمر استلامهن، مما يضطر الكثيرات للقبول بالزواج من مدمنين أو مساجين سابقين، وهناك الكثير من الحالات والمآسي الإنسانية في هذا المجال. ٢- لا توجد هيئة عليا خاصة بشؤون المرأة كما في كثير من الدول ولا حتى مؤسسات اجتماعية متخصصة. المرأة في أغلب الأحيان لا تعرف حقوقها القانونية، والمنعفات أبرز مثال، فحتى مع قانون الإيذاء الجديد لا تزال هناك حالات عنف ضد المرأة، وفي نهاية المطاف تعود المعنفة للمعنف (سواء أكان أبا أم زوجا) بعد أخذ التعهد عليه. ٣- حقوق الموظفات منقوصة وخاصة في القطاع الخاص، سواء فيما يتعلق بالتأمين الصحي /وإجازات الأمومة مدفوعة الأجر والبدلات كبدل السكن والتنقل. ٤- لا توجد محاكم متخصصة في قضايا الأسرة والطلاق كما في كثير من الدول، رغم معدلات الطلاق المرتفعة لدينا، ولا توجد قوانين واضحة تحدد حالات الخلع ورد المهور أو المماطلة في الطلاق مع ما يفتحه الأمر من باب لمساومة المرأة، فبعض الأزواج يمنع زوجته من التعليم، ثم بعد الطلاق تجد نفسها بلا قدرة للحصول على رزق كريم، إضافة لاشتراط رد المهر. ٥- لا توجد قوانين واضحة فيما يتعلق بالأطفال أو مؤسسات اجتماعية تشرف على رعاية أطفال المطلقين وتحديد أي الزوجين مؤهل للحضانة، كما أنه لا توجد قوانين أو آليات واضحة لمسألة النفقة التي باتت بابا لمساومة الزوجة للتخلي عنها مقابل حضانة الأطفال. في مجتمعنا الكثير من النماذج لرجال تم جمع مبلغ الدية لهم في قضية قتل، ليخرجوا من السجن ويعودوا لحياتهم الطبيعية، بينما أي امرأة أخطأت خطأ صغيرا تظل قابعة في "إصلاحية" ما تبقى لها من عمر. والرجال المنقسمون حول هذه القضية - على سبيل المثال - ليسوا منقسمين حول المرأة بحد ذاتها، بقدر ما هم منقسمون حول نموذج التنمية الخاص بالمجتمع، والذي تعد المرأة جزءا منه. فالصراع فكري بالأساس بين رؤيتين تتعلقان بتفسير الدين ومنهجية تقدم وتنمية المجتمع، فحق قيادة المرأة والسفر دون محرم أو حقوقها الوظيفية والتجارية والأسرية هي جزء من منظومة الحقوق الاقتصادية. إن التفسير الاقتصادي لهذه الحقوق وإن غاب عن مقدمة النقاش، يظل مثل جبل الجليد، يشكل الجزء الأكبر الخافي عن العين. منظومة تقدم المجتمعات لا تتم إلا بتكامل عوامل الإنتاج فيه، والمرأة جزء من هذه المنظومة، وحتى تاريخيا لم تحقق المرأة في دول العالم تقدما في حقوقها إلا بربط منظومة الحقوق هذه بالوضع الاقتصادي. رؤية ما يسمى بالتيار الليبرالي للمجتمع تنطلق من مفاهيم متعددة تتعلق بدور وأهداف المجتمع في الدولة، ومن ثم فإن المرأة جزء من هذه الرؤية، ومناط خلاف بينهم وما يسمى بالتيار الإسلاموي، ضمن مناطات خلاف متعددة، كدور بعض المؤسسات في المجتمع أو منظومات حريات وقوانين معينة، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي بحت كالحريات الاقتصادية المؤسسة لسوق حرة يراها هذا التيار أحد أسس التنمية والتقدم. وذلك مقابل رؤية التيار المضاد بأن تلك المنظومة من الحريات والقوانين ستقود لفساد المجتمع وانحطاطه. المرأة بوصفها ساحة صراع هنا مجرد خطوة مرحلية، فحتى لو تم السماح للمرأة بالقيادة اليوم، أو السفر دون محرم، فستظهر غدا ساحة صراع جديدة. اللافت أن الناشطات النسائيات دخلن هذا الصراع من بوابة الرجل ذاتها، وباستيراد آلياته في صراع الرؤية، عوضا عن كونهن لم يلجن من بوابة حركة صاعدة من الأسفل إلى الاعلى تمثل المرأة تمثيلا حقيقيا لحاجتها ومطالبها، وبالتالي تقاطعت مطالبهن مع مطالب النخبة النسوية، لا مع مطالب المرأة في مجتمعنا، سواء كانت كما يسمى "ليبرالية" أم "إسلاموية". عندما يصبح الصراع حول حق القيادة مجرد مسألة حقوقية فإن المجتمع ينقسم بما فيه النساء أنفسهن، ولكن عندما يكون حق القيادة منطلقا من حقيقة أن المرأة، أيا كانت مرجعيتها الفكرية تتحمل تكاليف مالية أكثر من الرجل فإنهن سيتحدن، وهذا ما سيحدث الفرق. لقد انجذبت المرأة في مجتمعنا لفسطاطي الصراع الفكري للرجال، بينما كان يفترض أن تكون حقوقها وحاجاتها متجاوزة لكليهما، وهذا هو جوهر الحركات النسوية، الذي للأسف يتشدق به كثير من الناشطات دون تنفيذ حقيقي.