منذ أن استمعت لخطاب خادم الحرمين الشريفين يوم الجمعة قرأته أكثر من مرة وفي كل مرة أحاول أن أربط العبارات بالأحداث، فتتجدد لدي الصورة الذهنية لما هو محيط بنا، تارة أراها مؤامرة وتارة أراها إفرازات لواقع محبط وتارة أراها نداء من التاريخ الذي هذبناه وجملناه فصار يستهوي استحضاره كثير من الشباب المؤدلج. وفي كل مرة أركز على إحدى العبارات أحاول أن استنبط الرسالة الضمنية فيها وأحاول أن استشرف لمن تلك الرسالة وبين تلك العبارات هناك العبارة الأكثر إثارة لهواجسي حيث قال «واليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد». في الماضي القريب هجمت القاعدة على برجي التجارة العالمي ودمرتهما قاتلة ما يربو عن (3000) إنسان بريء وموغلة صدور الملايين من الأمريكان على كافة المسلمين، ثم قامت أمريكا بحملتها الانتقامية وقتلت من قتلت معظمهم ليس له ذنب فيما خطط له قادة القاعدة وبعد ذلك بفترة قصيرة تصر القيادة الأمريكية ويدعمها بعض الطامحين والحانقين والمرجفين على تصفية الحكم البعثي في العراق بحجة إرساء قواعد الديموقراطية فيه، فتخلق أكبر مأساة عرفها الشرق الأوسط في تاريخه الحديث بلغ عدد ضحاياها ما يزيد عن (300000) قتيل وملايين المهجرين، وما زال القتل مستمراً حتى اليوم، هذا هو الماضي القريب أما الحاضر فهو ما جعل خادم الحرمين يقول: «إن من المعيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها كل ذلك باسم الدين والدين منهم براء فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته» هذا هو الحاضر الذي جلبه لنا الماضي القريب وجلبه لنا تقاعس ذوي الحكمة من علماء الدين وقادة المجتمع وتأمر ذوي الشرور والأدلجة، فصمت الحكيم في مواطن الكلمة هو ذل للحكمة وقتل للحق وترك للمجال يصول به الهياج ويعشعش به التطرف. وإنه من المؤلم أن نستشعر أن هناك من يستفيد من هذه الغمة في عقل الأمة، والتي تمثل حاضرنا اليوم، القتل في كل مكان والقاتل والمقتول لا يفقه الذكي بينهما لماذا يقتل أو يقتل، لقد أصبح القتل خوفاً من القتل سمة المتناحرين في محيطنا العربي فكل يريد أن يتغدى بالآخر قبل أن يكون هو العشاء وغالباً ما يكون هو عشاء لمتطرف آخر لا يعلم أنه سيكون غداء لغيره في الصباح. والمستفيد من البلاء أو يغذيه، لا يعدو أن يكون خائنًا غادراً بأمته طامعاً بمكتسبات لا يستحقها، أو يكون عدواً مستسعرًا استساغ القتل وبات يستزيد منه أملاً في تدمير هذه الأمة واستعمارها. في خطاب خادم الحرمين تحذير واستشعار لمستقبل مظلم ليس لهذه الأمة فحسب بل للعالم أجمع إن لم يجابه الإرهاب بصرامة، ولن تكون بلدًا مهما كانت مستقرة بمنأى عنه حيث قال: «هذا الصمت ليس له تبرير، غير مدركين بأن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً السلام، ومؤمنًا بصراع الحضارات لا بحوارها «، المستقبل سيكون مختلفًا فالسلاح سيكون أكثر فتكاً والتقنية ستكون أكثر توظيفاً في تمكين الفرد من أسلحة مدمرة ومخيفة، والعقول ستكون أكثر صافة والنفوس أكثر قسوة، فتحتمل مناظر الدم وتقطع الأشلاء، فصراع الحضارات صراع مدمر للبشرية حيث يكون الوجود لحضارة يقتضي دمار الأخرى. كانت رسائل خادم الحرمين الضمنية في خطابه واضحة لمن أراد أن يلقي السمع وهو شهيد، فكل مسؤول، قادة الدول وعلماء الدين وقادة الفكر وقادة المجتمع وقبل ذلك، أولئك الذين يحقنون في عقول الشباب حب القتل ويسمونه جهادًا والقاتل والمقتول يشهد بأن لا إله الا الله محمد رسول الله. فأي جهاد هذا.