×
محافظة المنطقة الشرقية

السفارة السعودية لكاتب لبناني: زجيت نفسك في ما لا تفهمه

صورة الخبر

في الأسبوع الماضي، أعلن رئيس بوليفيا إيڤو موراليس أن إسرائيل «دولة إرهابية»، وألغى اتفاق إعفاء المسافرين الإسرائيليين إلى بلده من التأشيرة. وقبل ذلك بخمسة أعوام، وعلى إثر عملية «الرصاص المصبوب»، أعلنت بوليفيا وإلى جانبها فنزويلا، وقف تعاملها الديبلوماسي مع إسرائيل. وعندما اعتدت إسرائيل على السفينة التركية بعد ذلك بعام، انضمت نيكاراغوا إلى قائمة الدول اللاتينية المقاطعة لإسرائيل. وعندما بدأ العدوان الحالي على غزة، استدعت كل من البرازيل والبيرو والسلفادور والإكوادور وتشيلي سفراءها من إسرائيل احتجاجاً على هذا العدوان. وفي الأسبوع الماضي كذلك، اجتمع أعضاء دول كتلة «الموركوزور» في فنزويلا. وهي كتلة اقتصادية وسياسية تأسست أواخر عام ٢٠١٢ بين البرازيل والأرجنتين والباراغواي والأوروغواي وفنزويلا، تسعى لزيادة الوحدة السياسية والاقتصادية عبر تسهيل تنقل الناس والبضائع ضمن القارة اللاتينية. في هذا الاجتماع، قدمت كل من الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي والبرازيل خطاباً مشتركاً تدعو فيه لوقف العدوان ورفع الحصار. ما السر وراء هذه المواقف اللاتينية؟ هناك تفسيرات عدة. أحدها يشير إلى العرب المهاجرين إلى هناك والذين يشكلون ٥ في المئة من مجموع سكان أميركا الجنوبية، إذ تشير أحد التقديرات إلى أن عدد اللاتينيين العرب أو المتحدرين من أصول عربية يصل إلى ١٧ مليون نسمة. فالتفسير يقول إن وجود هذه الجالية الكبيرة العدد، والقوية النفوذ، التي خرج منها عدد من رؤساء الدول ورجال أعمال مشهورين هو الذي يضغط على الدول اللاتينية لكي تتخذ موقفاً محابياً للفلسطينيين. باعتقادي أن هذا التفسير قاصر، ذلك أن هناك جاليات عربية في الدول الأوروبية وشمال أميركا، ولم تحدث الأثر نفسه، كما أن تواجد الجاليات العربية في الدول اللاتينية لا يتناسب مع دورها. فالأرجنتين، والتي يتواجد فيها أكبر عدد من العرب، لم تنضم إلى بقية الدول اللاتينية في استدعاء سفيرها، وكولومبيا التي تتواجد فيها حوالى ٧٠٠ ألف عربي مواقفها منحازة لإسرائيل أكثر من انحيازها للعرب. هذا ينتقل بنا إلى التفسير الآخر، وهو التوجه اليساري المعادي للإمبريالية في هذه القارة. فإيفو موراليس وصل إلى سدة الحكم بعد مظاهرات حاشدة ضد سياسات سلفه المنتخب ديموقراطياً الموالية لأميركا في قطاع الغاز الطبيعي، وهي المظاهرات التي أدت باستقالته ليأتي موراليس إلى سدة الحكم كمرشح اشتراكي معادي للإمبريالية، إذ كان من أوائل قراراته تأميم قطاع الغاز ورفع الحد الأدنى للأجور. الأمر نفسه ينطبق على توجهات كوبا وفنزويلا، فهي دول معادية للهيمنة الغربية واشتراكية، وموقفها من فلسطين ينتمي لهذه التحيزات نفسها. وهذا التفسير هو الذي يكشف السبب الذي يجعل الحكومات الموالية لأميركا، مثل كولومبيا والمكسيك، على رغم عدد العرب الموجودين فيها، تنحاز في مواقفها إلى إسرائيل. إلا أن هذا التفسير يعاني من بعض القصور نظراً لأن بعض الدول اللاتينية التي اتخذت موقفاً من إسرائيل ليست يسارية التوجه. فما هو التفسير الذي يجعل هذه القارة البعيدة تتخذ مثل هذه المواقف التي وصل ببوليفيا أن تتقدم بطلب إلى المحكمة الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية؟ هناك من يشير إلى البعد نفسه باعتباره المفسر. أي أن هذه الدول بعيدة من المنطقة، لا تتمتع بتلك العلاقات الثنائية المتينة مع إسرائيل، ولا تتأثر بالتحالفات والمحاور المتعددة داخل المنطقة، ومن هنا تمتلك نوعاً من الرفاهية في اتخاذ مثل هذه المواقف. إلا أن هذا التفسير يغفل حجم التعاون العسكري بين إسرائيل وأميركا اللاتينية. فقرابة الـ١٧ في المئة صادرات إسرائيل العسكرية ذهبت إلى دول أميركا اللاتينية في الفترة ما بين ٢٠٠٠ - ٢٠٠٧. ولا يقتصر هذا التعاون على التزويد بالسلاح، بل يتجاوزه إلى متابعة التحديثات العسكرية وتدريب الوحدات العسكرية، كما هو الحال في كولومبيا، على مكافحة أعمال الشغب. وهذا التعاون العسكري كان دائماً طريقة إسرائيل في كسب تأييد دول العالم، وهو الذي كان يفسر إصرار بعض الدول اللاتينية على إبقاء سفاراتها في القدس، وعدم نقلها إلى تل أبيب كنوع من الاعتراف بأن القدس هي عاصمة إسرائيل. في اعتقادي، أن التفسير يمكن أن يكون مزيجاً بين هذه التفسيرات، مع إضافة عنصر مهم وهو تزايد وتعمّق الديموقراطية في هذه الدول التي قللت من قبضة النزعات السلطوية التي كانت سائدة في السابق، والتي كانت دوماً الحليف لاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الشيوعية. هذه العزلة الدولية التي تفرض على إسرائيل شيئاً فشيئاًً في مناطق متعددة من العالم لم تأت نتيجة جهود عربية، بل نتيجة صمود المقاومة والشعب الفلسطيني. إنه لأمر مؤسف أن تكون مواقف الحكومات اللاتينية حاسمة بهذا الشكل، في حين أن الحكومات العربية تراوح مكانها أمام قضية هي أم القضايا بالنسبة لها، وعدالتها من أوضح الواضحات. إننا نواجه عدواً لا يريد السلام، ولا يعبّر عن عدم رغبته بالسلام بالكلام، بل باستهداف المدنيين وتدمير كل شيء في مشهد شديد الاستفزاز. إن من يطالع حماسة الدول اللاتينية مع القضية، وحال التلكؤ وعدم الاهتمام السائدة في العالم العربي، ليتساءل فعلاً: هل فلسطين قضية لاتينية؟