يدرك تماماً ماهية الأخطار المحيطة باقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، وأهم التحديات التي تقف أمامها خلال السنوات القادمة التي تحتاج منها إلى الالتزام الدقيق بالخطط المطروحة لتجاوز هذه العقبات، انطلاقاً من مؤشرات الأسواق النفطية التي بدأت بوصلتها بالاتجاه نحو أسواق الشرق، وانتهاءً بمعدلات استهلاك الطاقة في دول المجلس التي تنمو سنةً تلو الأخرى دون إيجاد حلول ملموسة على أرض الواقع، هذه الأسئلة وغيرها الكثير طرحتها "الرياض" على طاولة المحلل والخبير النفطي الدكتور محمد الشطي. * كيف ترى مؤشرات الاستهلاك المحلي للطاقة بدول مجلس التعاون؟ وإلى أين تقود؟ - الطلب على النفط في منطقة الشرق الأوسط في تصاعد هذا بلا شك، وتعتبر هذه المنطقة من الأسواق المهمة حيث يرتفع الطلب على النفط فيها سنويا بحدود 200 ألف برميل يوميا، وهذا أمر متوقع بسبب الزيادة السكانية، وزيادة المدن والتوسع في الأنشطة الصناعية وارتفاع الحاجة إلى الكهرباء وبالتالي يعني ارتفاع استهلاك النفط، وبلا شك فإن معدلات استهلاك الكهرباء في بلدان الخليج العربي في تنام مستمر، ويمثل تحديا كبيرا أمام أصحاب القرار في الخليج العربي ذلك أن المعدل يتأرجح ما بين 7 – 8 % سنويا وهي نسبة عالية وان كانت لها مبرراتها لان التوسع العمراني والصناعي يعني استمرار استهلاك الكهرباء عند معدلات عالية نسبيا مقارنة بأي منطقة في العالم. التوقعات تشير إلى تناقص حصة النفط في خليط الطاقة التحدي يتمثل في أن اقتصاديات بلدان الخليج تعتمد بشكل كبير على مورد واحد إما النفط أو الغاز وبالتالي ارتفاع استهلاك الكهرباء يعني تأثر الإيرادات النفطية بشكل عام. الحلول لهذه المشكلة تتمثل في عددٍ من المحاور المهمة وهي التوجه نحو الاستثمار في تنويع مصادر الطاقة ما بين النفط والغاز والطاقات المتجددة والطاقة والاستثمار كذلك في رفع كفاءة استخدام الطاقة محليا وهو أمر ضروري، وتوعية المستهلكين بصفة عامة للترشيد في استخدام الكهرباء والتشجيع عليه، بالإضافة إلى إعادة النظر في سياسة الدعم على أسس أنظمة تراعي شرائح المجتمع وتشجع على الترشيد كثقافة مجتمعية، والتشجيع والاستثمار في المساكن الخضراء باستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والترشيد وكذلك بعض القطاعات الأخرى. أما فيما يخص الغاز على وجه التحديد، فكما تعلم أن البلد الوحيد المصدر للغاز هو قطر رغم توفر آفاق للتوسع في إنتاج الغاز في بلدان أخرى وهي أمور تحتاج إلى التعاون ما بين بلدان الخليج لتجاوز هذا التحدي، وكذلك لا بد من الاستعانة بالشركات العالمية التي يمكن أن تساعد في تطوير إنتاج الغاز، وعموما نعم نحن أمام تحد تغطيه الحاجة من الغاز واعتقد لدينا فوائض مالية يمكن أن يتم تسخيرها لترشيد الاستهلاك محليا وتطوير إنتاج الغاز. * واقع الأسواق النفطية خلال النصف الثاني، كيف تقرأونه؟ - هناك توافق بين مختلف توقعات الصناعة حول ارتفاع الطلب العالمي على النفط خلال النصف الثاني وإن كانت متفاوتة نسبيا بحسب درجة التفاؤل فيما يتعلق بتعافي الاقتصاد العالمي وتعافي الطلب العالمي على النفط، وعموما فإنه من المتوقع أن يشهد النصف الثاني ارتفاعا، وذلك يعكس عودة المصافي من برامج الصيانة وارتفاع الطلب الموسمي على وقود السيارات خلال الربع الثالث، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على زيوت التدفئة خلال الربع الرابع، لذلك يتفق المراقبون أن الطلب على نفط الأوبك يشهد ارتفاعا خلال النصف الثاني من 2014 ؛ فوكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن متوسط الطلب على نفط الأوبك سيكون حول 30.6 مليون برميل يوميا، بينما سكرتارية الأوبك عند 30.4 مليون برميل يوميا، بينما البيت الاستشاري الأمريكي بيرا" 30.8 مليون برميل يوميا، وكما ترى فإن ما يتميز مع هذه التوقعات هو ارتفاع الطلب على نفط الأوبك، وهو عامل رئيسي في دعم الأسعار وتحقيق توازن السوق النفطية، خصوصا إذا ما ربطنا ذلك مع معطيات السوق، إنتاج الأوبك خلال عام 2014 و لا يزال لا يتجاوز 30 مليون برميل وطبعا السبب الرئيسي لذلك يعود إلى تأثر الإنتاج في ليبيا نتيجة الأوضاع على الأرض هناك، وتأثر الإنتاج في إيران نتيجة الحظر على مبيعات النفط هناك وارتباط ذلك بتطورات الملف النووي الإيراني، وأخيرا الإنتاج في نيجيريا والذي تأثر بحالة القرصنة، ومن الأسباب الأخرى التي ستظل تدعم الأسعار خلال عام 2014 هي تطورات العوامل الجيوسياسية والتي تتلخص في الأحداث في أوكرانيا، وليبيا، والعراق، علما بأن متوسط أسعار نفط خام الإشارة برنت خلال عام 2014 عند 108 دولار للبرميل. * برأيك.. ما الشكل الجديد للخارطة النفطية العالمية؟ إن أخذنا في الاعتبار عدداً من العوامل كتنامي عامل الطلب بالأسواق الآسيوية وتراجع واردات الولايات المتحدة من النفط الخليجي؟ - تراجع واردات الولايات المتحدة لم يؤثر كثيرا على الواردات من الخليج العربي ذلك أن المصافي في أمريكا تحتاج وستظل تحتاج إلى نوعية النفوط من الخليج العربي ولذلك وجدنا التأثير محدودا حيث انخفض إجمالي واردات النفط الخام من الخليج العربي من متوسط 2.3 مليون برميل يوميا في عام 2008 إلى 1.9 مليون برميل يوميا في عام 2013، طبعا هناك تحد يتمثل في ارتفاع تصريف النفوط في أسواق الشرق الواعدة ولكن ليس لدرجة فقدان السوق الأمريكية في الجملة، كما أعتقد أن انحسار تنامي الطلب على النفط باتجاه أسواق بعينها ربما يشكل تحديا بسبب ارتفاع التنافس وكذلك التأثر بأية مفاجآت في تلك الأسواق مثال الأزمة المالية التي عصفت في الأسواق الآسيوية في الماضي وأثرت على أسواق وأسعار النفط، وهذه محاذير تجعل التنويع في منافذ ومصارف النفط الخام إلى مختلف الأسواق أمراً ضروريا وطريقه امنة خصوصا وأن اقتصاديات بلداننا تعتمد على مورد واحد بشكل رئيسي مثل الغاز أو النفط. * يرى بعض الخبراء النفطيين أن الخطر الحقيقي الذي يواجه "مستقبل النفط" هو عدم نمو الطلب بالشكل الكافي بسبب زيادة كفاءة استهلاك الطاقة، كيف تعلق على هذا الأمر؟ - اعتقد التحديات التي تواجه صناعه النفط مستقبلاً تتلخص في زيادة المعروض من النفط الخام وسوائل الغاز في المستقبل مع تعافي الإنتاج في عدد من الدول بالإضافة إلى خطط رفع الطاقات الإنتاجية للنفط لدى العديد من الدول، وتطوير الطاقات المتجددة والتوسع في تطبيقاتها، وكذلك تطوير إنتاج الغاز الطبيعي والتوسع في استخداماته خصوصا اختراق قطاع النقل بشكل اقتصادي، والاستمرار في الوصول لتكنولوجيا رفع كفاءة استخدام الطاقة والنقص المستمر في الكفاءات والخبرات والقدرات التي هي مفتاح للتنفيذ الفعلي للخطط المستقبلية، وأعتقد أن التعامل الصحيح يكمن بشكل رئيسي في تنويع وتطوير مصادر الطاقة في بلداننا والاستثمار في العنصر البشري الخليجي بشكل يضمن الارتقاء في القدرات التي نحتاجها وتأهيلها لتقوم بالتغيير وإحداث النقلة النوعية. * الدراسات والتقارير المتخصصة في أسواق النفط، ما قراءتكم لمخرجاتها؟ - عند قراءات التقارير نركز على ثلاثة أمور أولها المستجدات التي تتفق فيها وعليها الدراسات، كذلك أي تطور جديد تتوقعه دراسة بعينها ويتم فهمه بشكل دقيق، وأخيراً مقارنة التوقعات بمدى تماشيها مع الماضي فعلياً، بالإضافة إلى مدى الاستفادة وكيفية تأثير تلك المستجدات على صناعة النفط والقرارات التي يمكن أن نتبناها للتعامل مع التحديات بشكل ينفع بلداننا. * أين أنت من الذين يعتقدون بنضوبه – النفط الصخري - في الولايات المتحدة الأمريكية في 2030 م ما لم تتم اكتشافات جديدة؟ - لست ممن يعتقد باقتراب نضوب النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية لا سيمّا مع توفر كافة الظروف التي تسهم في تشجيع إنتاج النفط هناك، واستمرار أسعار نفط خام الإشارة برنت عند مستويات تفوق المئة دولار للبرميل، ومما يؤكد ذلك التوقعات الطويلة التي صدرت حديثا من إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية والتي توضح بعدم نضوب النفط الصخري حيث يرتفع إنتاجه من 6.5 ملايين برميل يوميا في عام 2012 م إلى 9.6 ملايين برميل يوميا قبيل 2020 م ثم يبدأ في الانخفاض التدريجي، أمام تحت افتراضات السيناريو الآخر المتفائل فإن الإنتاج يرتفع ليصل إلى 11.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2019 م ثم يصل الذروة في عام 2035 ليصل إلى 13.3 مليون برميل يوميا، وأعتقد أن الرهان الحقيقي في المستقبل ليس في تناقص المعروض من النفط الخام سواء من المصادر التقليدية أو غير التقليدية ولكن في ارتفاع المعروض من النفط الخام، والتوسع في إنتاج الغاز والطاقات الأخرى المتجددة والبديلة وبالتالي ارتفاع التنافس وتشير التوقعات إلى تناقص حصة النفط في خليط الطاقة في المستقبل، وهذه أمور تحتاج إلى خطط يتم تبنيها من الآن خصوصا في مجال تنويع مصادر الطاقة في الخليج العربي لمصلحه شعوب ومستقبل المنطقة. * ما أبرز المتغيرات التي ألقى بظلالها "النفط الصخري" على الأسواق العالمية منذ بدء إنتاجه للآن؟ - حسب توقعات البيت الاستشاري سيرا، بلغ متوسط إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2014 م عند 7.4 ملايين برميل يوميا، ومن المتوقع الإنتاج أن يصل إلى 10.6 ملايين برميل يوميا في عام 2025 م، ثم يبدأ الإنتاج في الانخفاض التدريجي ليصل بحلول عام 2030 م عند مستويات تفوق متوسط الإنتاج لعام 2013، ويتضاعف إنتاج النفط الصخري ليصل إلى 5.4 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2025 م والذي يأتي في غالبه من حقول بيكان وايغل فورد وبيرميان، ولكن التحدي الحقيقي هو اكتشاف كميات جديدة من النفط الصخري خلال الفترة القادمة كي تحافظ مستويات إنتاجه على مستوياتها العالية. لقد أحدث النفط الصخري تحولات كبيرة لا تزال تؤثر في تجارة النفط في السوق النفطية ومنها تحول في اهتمام العديد من الدول والشركات في العالم لتطوير النفط الصخري من خلال الاستفادة من التجربة الأمريكية والتكنولوجيا المستخدمة، وهذا الأمر في الصين، روسيا، الأرجنتين وغيرها، وأسهم في رفع الإنتاج المحلي من النفط في السوق الأمريكية وتقليص الواردات من النفط الخام من 10.1 ملايين برميل يوميا في عام 2005 إلى مستوى 7.7 ملايين برميل يوميا في عام 2013، كما أدى إنتاج النفط الصخري إلى تقليص واردات النفط الأفريقية الفائقة النوعية والخفيفة من نيجيريا من 1 مليون برميل يوميا في عام 2008 إلى 280 ألف برميل يوميا في عام 2013 وهي في طريقها إلى الاختفاء من السوق الأمريكية لأن النفط الصخري هو البديل، والبحث عن أسواق بديلة للنفوط التي كانت تذهب إلى السوق الأمريكية ليتم تصريفها حاليا في أوروبا مع غياب النفط الليبي، وفي أسواق الشرق الواعدة خصوصا الهند والصين، وأدى كذلك إلى توجه الكثير من بلدان العالم لبحث وتطوير علاقات متميزة مع أسواق الشرق الواعدة لتضمن أسواق لنفوطها هناك ومن بينها روسيا وكذلك فنزويلا التي وقعت عقدا (طويل الأمد) لرفع حجم تزويد الصين من النفط الفنزويلي، كما ساهم – إنتاجه – في جعل المشتري بداخل الأسواق النفطية هو الأقوى والأكثر فاعلية عبر زيادة المعروض والتنافس في أسواق واعدة ولكنها محدودة، ويعمل هذا التنافس في تطوير آليات جديدة تضمن علاقات وثيقة مع المستهلك وعلى أساس الشراكة الاستراتيجية التي تشمل الاستثمار في بناء مصاف ومجمعات بتروكيماوية وفي تخزين النفط وغيرها. ويضاف إلى ما سبق أن النفط الفائض في السوق الأمريكية أسهم في انتعاش صناعة التكرير بالولايات المتحدة الأمريكية التي حققت هوامش أرباح عالية مستفيدة من النفط الرخيص المحلي وتصدير المنتجات البترولية خصوصا إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا وتطوير الغاز الصخري والتوسع في استخدامات الغاز والذي سيكون بلا شك على حساب النفط والفحم، والاستثمار في قطاع البحث والتطوير بشكل أكبر ليسهم في رفع كفاءة استخدام الطاقة للوصول إلى تكنولوجيا تسهم في تطوير استخراج النفوط الثقيلة وفي المياه العميقة وأخيراً أسهم إنتاج النفط الصخري في ضعف صناعة التكرير بأوروبا والتي تعاني أصلاً من الفائض وضعف الطلب على النفط وارتفاع أسعار النفط الخام مقابل المنتجات البترولية.