لسنا نحن، بل ما نعبر عنه ونسطره، أن نكون صوتا للحقيقة، للمعلومة، ولكل ما هو مفيد، ومُعينا لوأد ما هو ضار. لنبدأ الكتابة، لكن لنكن حذرين، فنيل الإعجاب وتصدر الحوارات ليس الهدف، وإن كان ذلك فالأمر فيه علة وبلاء، وأهداف مستترة، لا يعلمها إلا الله. الكتابة، الرسالة العظيمة من الخالق عبر سطور قرآنه الكريم، والعنوان الأمثل للتخاطب بين البشر، ففيها تأنٍّ يسبقه تفكير، غير دحض لزلات وتجاوز عن استعجالات، الكتابة زاد الفقير والغني، ولكليهما حق امتلاكها، ليس لها ثمن غير قلم وورقة، وما أبخس ثمنهما، فلم نسمع عبر التاريخ أن كاتبا اشتكى من ضيق ذات القلم والورقة. هنا لمن نكتب؟ وماذا سنكتب؟ سؤال بات يحيرني بعد مرحلة العمل الصحفي المضني، الذي ارتبط بالآنية والمباشرة لنحو ثلاثة عقود، كيف سنكون وماذا نريد أن نكون؟ عبر هذه الكتابة التي تغير في زمننا كل شيء موصل لها أو ناشر لها، إلا هي لم تتغير بل زادت قوة وطغيانا، هل نكتب عن أنفسنا وواقعنا الصغير فقط، وإن فعلنا فتلك أنانية؛ لأن ما أتيح لنا رسالة للجميع، وليس خاصا بمدينة أو فئة أو جهة دون غيرها. هل نكون بوقا، حق لكل نافخ أن يستخدمه؟ ويا ويلنا إن فعلنا ذلك؛ لأن من يفعل سيكون حينها بلا شخصية وبلا مبدأ، ليتحول إلى متغطرس من المتقافزين في كل مكان، ممن لم تسلم حتى قنوات التلفزيون من بذاءته، ومن واقع عمل صحفي معاش، يا لزحمة زوايانا بهم!. وحقيقة القول، إن هناك كُتابا عرفناهم مبدعين مؤثرين، إلا أنهم اختطفوا بعد ذلك. أما كيف ذلك، فقد يكون للثناء الكبير الذي لقوه دور في ذلك، خاصة حين يأتي من المسؤول المؤثر أو الجمهور المصفق! والكاتب تغشاه الفرحة والحبور، دون أن يدرك أن هناك من يبعده عن واقعه عبر التلاعب به استحسانا وتفخيما، وإن انقاد فليعلم أنه قد استبيح حرفه وأصبح ممسوخا!. أشرع بالكتابة عبر هذه المطبوعة الحصيفة، وكلي أمل أن أكون مستقلا مؤثرا، وأيضا بعيدا عن التأثير السلبي، وإن كنت هنا لا أنكر أننا نقع كثيرا تحت تأثير الثناء والإشادة، خاصة أن في دواخلنا جينات ما زالت نشطة من أيام أجدادنا، وما يهمنا أن يصل ما نريد إيصاله لأجل بلد، مهما عملنا فله من الفضل ما نعجز عن رده. جميل القول وختامه، أن الكتابة إذا لم تكن منطلقة من ذاتها الصادقة فلن تمنحنا التأثير، ولن تساعدنا على التغيير، وما عرفناه ونقلناه عبر تاريخنا، ومن خلال المتفوقين عربا وعجما، أن الأحرف المكتوبة بقصد التأثير لأجل الإصلاح، هي نتاج العقول المتفوقة التي تسطر الكلمة؛ لمكافحة كل ما هو ضار، أو لدعم كل ما هو نافع، هي نوع من التأثير الأدبي للرقي بالواقع، وفق شروط وأحكام لهذه الكتابة.