منذ تفتح وعيي،تعلمت أن العيد يعني " الًلمة " جمعة العيلة. إفطار العيد عادة سنوية حميمة ربما ينفرد بها البيت السعودي، وفي منطقة الحجاز لها نكهة مختلفة مستمدة من نظامها الأبوي ومائدتها المتميزة التي مازالت راسخة رغم التغييرات التي انتهكت حياتنا، وأحدثت لنا صدمة أفقدتنا توازننا لوهلة، تلك الوهلة هي التي حاولنا فيها التخلص أو التبرؤ من عاداتنا وتراثنا وكأنهما وصمة عار علقت بحضارتنا فعملنا على التبرؤ منها، والتشبث بكل ما لا ينتمي لتاريخنا الحضاري وعاداتنا الاجتماعية. لا أعيب عملية التحديث؛ القاطرة التي نقلتنا من محطة ساكنة غلفها ضباب كثيف، حملته رياح الماضي، فلَبد ولبّد سماءنا لوهلة طالت قليلاً، ثم انتقلنا الى محطة العصر الحديث بكل مستجداته ومتغيراته، ولكني أعيب تنازلنا وتخلينا حد التبرؤ من عاداتنا الأصيلة ولهجتنا المميزة حتى أن كثيراً من مفرداتها اندثر وأصبح مصدراً للسخرية عندما يصدر عفواً من بعض كبار السن المعبأ لا وعيهم بالمفردات والعادات ومع ذلك بعضهم يداهن كي لا يوصم بالتخلف، أو يناله شئ من السخرية. لم يكن أحد يجرؤ أن يسخر مِن مَن هو أكبر سناً، حتى في سياق الحديث لو كان المتحدث أكبر سناً وكان يتحدث بأخطاء معلومة لا يجرؤ الحضور على تكذيبه ولكن تصحيح الخطأ بعبارة مهذبة تقدم لعملية التصحيح ( وأنت الصادق: الأمر كذا) أو بأي صيغة لا تكذب المتحدث ولا تقلل من مكانته ومهابته. أزعم أننا استعدنا توازننا، وتخلصنا من تلك الوهلة الصادمة، فعدنا نفخر بتراثنا، وننقب في تربة الماضي عن تراث أهملناه فانطوى في دهاليز النسيان، وعدنا نحتفي به ونباهي به أمام العالم، في الجنادرية، والأسابيع الثقافية حول العالم، لكن تظل بعض العادات الأسرية في المناسبات المختلفة ، بعيدة عن تراثنا أو مستوردة من الشرق والغرب، كمناسبات الزفاف وليلة الحناء التي تتخذ النمط الهندي ربما لأنه ثري بالألوان والموسيقى والأزياء والرقصات، بينما لو أننا نقبنا في تراثنا على شساعة الوطن لوجدنا ما يكفي أفراحنا مع بعض التطوير والتحديث. جماعة قلب جدة، وجمعية التراث، ومقعد جدة استطاعوا أن يعيدوا للماضي مكانته واجتذبوا الصغار والكبار بأزياء الماضي ومفرداته المميزة وأهازيجه الجميلة. تلك المبادرات تعني أننا استعدنا توازننا وتخلصنا من الوهلة التي زامنت زمناً أطلق عليه ( زمن الصحوة ) ولا أعرف كيف لزمن يدفن تراثه وعاداته الجميلة أن يكون صحوة!كانت غفوة طويلة الحمدلله أننا أفقنا منها بعد أمد ليس بالقصير. والأعياد في الحجاز كما أسلفت سابقاً لها نكهة مميزة سواء في عيد الفطر أو الأضحى، ولأني أكتب هذه المقالة ليلة عيد الفطر المبارك فالأجدر أن يكون الحديث عن عادات العيد في الحجاز، حيث يبدأ الاستعداد له من شهر رمضان، بشراء ملابس العيد ومستلزمات المنزل، فالمرأة الحجازية لا تشعر ببهجة العيد الا إذا كست كل شئ في المنزل بالجديد، مفارش، وأطباق للحلوى، ومستلزمات الضيافة، وإفطار العيد الذي يكون عادة في منزل كبير العائلة. للإفطار في العيد أكلات مميزة تتقنها المرأة الحجازية وتحرص على إعدادها بكميات تكفي أفراد العائلة وتفيض لتهدي بها الأحبة والجيران. لا أحد يستوعب كيف تحوي مائدة إفطار العيد، مأكولات دسمة مثل المنزلة والمقلقل والكباب المبخر، لكن هذه الأطعمة لها فلسفة عند أهل الحجاز ، حيث ينشغل الجميع بالاستعداد للعيد وربما لا يجدون وقتاً لتناول وجبة كاملة بعد وجبة افطار آخر يوم من رمضان، لذلك عندما يجتمعون على مائدة الافطار بعد صلاة المشهد الذي يشهده الجميع وخصوصاً الأطفال بملابسهم الزاهية، يكون الافطار هو الوجبة الشهية التي يقبلون عليها بنهم. تضم بالاضافة الى تلك الدسمة، الأجبان بأنواعها، الزلابيا، اللقيمات، والشريك،واللدو واللبنية أو بما يعرف بالتعتيمة بالإضافة "للدبيازة " وهي نوع من الحلوى يعد من بواقي مؤونة رمضان. أعتقد أن إحداهن - في زمن ما - عندما لم يكن هناك وسائل حفظ كالثلاجات ابتكرت طريقة للاستفادة من بقايا قمر الدين والمكسرات والفواكه المجففة التي كانت تستخدم في الخشاف في إفطار رمضان فتفتق ذهنها عن هذه الطريقة الاقتصادية التي اصبحت منتشرة في الحجاز ولا تصنع الا لإفطار العيد. ربما يمتد الاجتماع بعد الافطار الى منتصف اليوم في فرح وبهجة، متوج بالعيديات للصغار والشباب والشابات، مبالغ مالية حسب مستوى الأسر المادي، والقيمة لا تمثل فرقاً في مستوى البهجة بل يستوى الجميع في بهجة الحصول على العيدية وهي تطورت بتطور الحياة. على زماننا كان الريال ربما يساوي مائة ريال بمقياس هذا الزمان، لأنه كان يغطي مصاريف الملاهي والحلوى وكل ما كان متوفراً في زماننا ، لأن الجميع يقدم العيدية لصغار العائلة والنتيجة ثروة صغيرة لم تكن تتوفر في أي وقت آخر. هذه العادة الحجازية لم تتوقف لدى معظم الأسر الحجازية، وأعتقد أنها موجودة بشكل ما في مناطق المملكة المختلفة ، لكن لأنها أسرية وخاصة فهي غير معروفة، لذلك على الاعلام والقناة الثقافية مهمة إلقاء الضوء على هذه العادات الحميمة كي تظل راسخة متوهجة في وعي الأجيال. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة ورضا وقبول. nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain