يأتي العيد ومعه الفرح والسرور، يتبادل الناس الزيارات والمعايدة، وتنشط الحركة في كل مكان، يتحول البلد بكل مكوناته إلى حالة من الزحام. زحام في الأسواق، شكا منه صاحبي حين قال “كأن الناس علموا للتو أن العيد يأتي بعد رمضان”. انطلق الجميع في حركة شراء “هيستيرية” تتكرر كل عام. أعلن عنوان إحدى كبريات الصحف أن حركة المبيعات ترفع إيرادات مستلزمات العيد 40 في المائة في أسواق الرياض. هذا الزحام لم يكن لأصحابه أن يقعوا ضحيته، لو أنهم خططوا مشترياتهم، خصوصاً تلك التي لا علاقة لها بانتهاء الصلاحية كالملابس أو ذات الصلاحية طويلة الأجل كالحلويات وزكاة الفطر. على أن الزحام حالة منتشرة وقت الأعياد في أغلب دول العالم، إلا أنها جنونية عندنا. تتحول الشوارع إلى أكبر اختبار للأعصاب والقدرة على التحمل. تصبح الحركة محدودة إن لم تكن مفقودة، المشوار الذي لا يتجاوز دقائق يتحول إلى عشرة أضعافه، ويزيد من الزحام التخطيط السيئ لمدننا، وكثرة إشارات المرور. مطاراتنا تتحول إلى بطحاء أخرى، ولا عزاء للمسافرين الذين يفترشون الأرض في مطاراتنا وهم ينتظرون الفرج، ألوم منهم من كانت لديه معلومات مبكرة عن تواريخ سفره. الزحام ينتقل إلى الرسائل الهاتفية التي تصلنا من الشركات. سبق أن وزع البعض أرقاماً يمكن من خلالها تفادي تلك الرسائل، لكنها لم تكن مجدية حسب إفادة كثيرين. سبق أن سألت أحد الرؤساء التنفيذيين عن حصانة المشترك، ولماذا تنتهكها الشركات، وماذا يفعل من ابتلي بتلك الرسائل ولم تحمه منها الشركة. طبعاً كان السؤال مع ثلاثة أسئلة أخرى، وتفاداه المسؤول بذكاء مستغلاً كثرة الحضور، ورغبة كل منهم في طرح سؤاله وضيق الوقت. إلى الآن لا أجد مبرراً أخلاقياً للضغط على المستهلك واستغلاله. طبعاً هيئة الاتصالات تعلم عن معاناة المشترك، وقد يكون موظفوها مستهدفين. يحاصرنا الزحام بكل أشكاله إلا في مكان واحد كان مركز اللقاء. ذلكم هو المسجد، الذي ضم جموعنا في رمضان وقرب أبداننا وقلوبنا، وقوفاً بين يدي الله. تبدأ الأعداد في الانخفاض، حتى لكأنك في مكان غير المكان. ذلكم هو الملجأ الذي لا بد من عودة الازدحام إليه، والمحافظة على الارتباط به طول العام، وكل عام أنتم بخير.