خذوا مني: مشكلة العقار أساسها إقطاعيو العقار الذين نسميهم تجار العقار، نحن ندور يمنة ويسرة نحاول حل مشكلة الإسكان.. أنشأنا هيئة للإسكان ثم حولناها إلى وزارة، ثم رصدنا مئات المليارات ووضعناها تحت تصرف وزير الإسكان، ثم نخينا التجار ليساهموا في إنشاء مجمعات للإسكان ومعهم بعض قادة الدولة الذين أنشأوا جمعيات خيرية قامت أيضاً بإنشاء مجمعات للإسكان، ثم تخرج علينا وزارة الإسكان كل يوم بتحديد موعد لتسليم الإسكان، (وأتوقع إن صدقت فسيكون الشوط قصيرا). كل هذه الحلول تبدو غير ملامسة للمشكلة الحقيقية للإسكان في بلادنا التي أكبر جزء فيها صحراء وأعلى ما فيها قيمة الصحراء.. هذه سخرية، المشكلة الحقيقية هي تجار العقار ومحتكرو العقار، وهم أنفسهم تجار العقار الذين استنزفوا جيوب الطبقة الوسطى من المواطنين وتركوا الطبقة الأخرى بدون إسكان، والبقية الباقية بإسكان غير مناسب، حتى في المخططات التي يبيعونها ترى المباني مثل علب الكبريت متزاحمة ولا مواقف ولا حدائق تتنفس فيها الأحياء والمباني، انظروا إلى تلك الأحياء عندما ينزل المطر وازدحام شوارعها بالسيارات الواقفة أمام المباني والكثافة السكانية المروعة التي تقطن كل مبنى، وبالمقابل تضج الأحياء بمساحات شاسعة يملكها "إقطاعيو" العقار الذين نسميهم تجار العقار .. لو لم تكن تلك المساحات محتكرة لما وجدت أزمة الإسكان، لأن أسعار الأراضي ستنخفض، وبالتالي ستكون في متناول يد المحتاجين للعقار بالجهود التي تبذل الآن، لكن مع هذا الوضع الذي يستمر فيه تجار العقار باحتكار تلك المساحات الشاسعة داخل المدن ولا يعرضونها للبيع ستستمر أزمة الإسكان ولن يكون هناك حل في الأفق يلوح لنزول العقار وحل مشكلة الإسكان.. خذوها مني.. والواقع بيني وبينكم.. والحل؟ الحل يكمن في تدخل قوي من الدولة بأن تعرض جميع وليس بعض تلك المساحات في السوق من جميع تجار العقار وليس من البعض، فالقاعدة الاقتصادية البسيطة التي لا تحتاج إلى تخصص تقول: إذا زاد العرض قل الطلب وبالتالي انخفض السعر.. الواقع الماثل أمامنا هو أنه ليست لدينا أزمة إسكان.. لدينا محتكرون سببوا مشكلة "أزمة الإسكان". الإحصاءات تفيدنا عن نسبة كبيرة من المواطنين لا يمتلكون مساكن، وقد سعت الدولة منذ السبعينات الميلادية عن طريق صندوق التنمية العقاري لعلاج هذه المشكلة ونجحت آنذاك بشكل كبير بسبب قلة عدد السكان، وثانياً أن المبلغ المخصص للقرض العقاري مناسب (آنذاك).. وثالثاً المرونة في الحصول على الأرض "إلى حد ما" عن طريق المنح والشراء. وبقي الحال كما هو بالرغم من تصاعد أزمة تملك البيوت إلى أن تفاقمت وأصبح نظام صندوق التنمية العقاري منتهي الصلاحية، حاولت الدولة إضافة تحسينات عليه وفي نفس الوقت دراسة أنظمة جديدة "نظام الرهن العقاري"، وطال انتظار صدور هذا النظام لأهميته لأن نظام صندوق التنمية العقاري لم يعد صالحاً بسبب زيادة عدد طالبي تملك الإسكان وبسبب طول المدة التي ينتظرها طالبو الاقتراض من الصندوق وبسبب عدم كفاية مبلغ القرض، والسبب الرابع صعوبة الحصول على الأرض عن طريق الشراء لارتفاع أسعارها بشكل مخيف وتوقف نظام المنح. والسؤال المطروح هو: إلى أي مدى ستنجح الدولة في التعامل مع محتكري المساحات الكبيرة داخل المدن ودفعها للمشاركة في حل الأزمة التي هم سببها، لتحقق الدولة أهدافها بتمكين المواطنين من تملك البيوت؟ إن فعلت ستحل مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي وعدم وجود مساحات داخل النطاق العمراني. لا بد من وجود علاج سريع من الدولة لا يسمح بأن يكون العقار مستودعاً للثروة.. إقطاعيو العقار لا ينظرون للعقار كمكان "مخصص لإقامة مبانٍ عليه"، يتملكون العقار كمستودع للثروة ويحتفظون به ويتاجرون به ويرهنونه.. إذاً العقار المملوك لا يخدم الإسكان لهذا السبب، وهذه مشكلة كبيرة أدت إلى إبقاء مساحات شاسعة داخل المدن وأيضاً داخل القطاع العمراني للمتاجرة ولا تستخدم ولسنوات طويلة، هل حان الوقت أن تتنبه الدولة لهذا الأمر وتتعامل معه بما يكفل حل مشكلة الإسكان لإدخال هذا المساحات إلى سوق العقار الحقيقي؟ هذه مشكلة كبيرة جداً يضاف إليها ازدياد عدد السكان مما يفاقم مشكلة الإسكان كلما تأخرنا في حلها، عامل هرمية المجتمع، أي زيادة السكان بشكل هرمي، يشكل عبئاً على حل مشكلة الإسكان، ولا بد أن يؤخذ هذا العامل في الحسبان حتى نتجنب المشاكل التي عانى منها نظام "صندوق التنمية العقاري" وهي الانتظار مدة طويلة للحصول على القرض والذي يترتب عليه زيادة الأسعار في الأراضي والمواد. الأمر الآخر لا بد من تفعيل نظام الرهن العقاري بشكل عاجل والتعامل مع مشاكله فيما يتعلق بموظفي الدخل المحدود والمتقاعدين الذين سيتقاعدون قبل الفترة المحددة للتسديد "20 أو 25 سنة"، هل يتم حرمانهم من الاستفادة من هذا النظام أو يتم انطباقه عليهم حتى إذا ما تقاعدوا يتم إخراج عائلاتهم من المسكن وبيعه واستيفاء القرض كما تفعل البنوك حالياً، لا بد من التعامل مع هذه المشكلة حتى يكون النظام مريحا لهم ولعائلاتهم. خلاصة القول: أرجو ألا نضيع الوقت في البحث عن حلول لا تجدي، لنبدأ في التعامل مع المساحات الواسعة داخل المدن ونرى كيف يكون مردوده وأثره على مشكلة الإسكان.. هل سنفعل؟ إن لم نفعل ستستمر المشكلة ومعها المعاناة والميدان هو الحكم.