ياسر الزعاترة ها هو غضب الضفة الغربية يتصاعد، وبوشك على الانفجار، بل ينفجر عمليا في وجه الغزاة، وفي وجه تلاميذ الجنرال دايتون في آن معا. بدأت قوافل الشهداء، والهبات الجماهيرية تأخذ مكانها في الشوارع، بخاصة بعد أن تصاعد الموقف في قطاع غزة وغاب أفق الحل إثر إصرار السيسي على موقفه، ومن ورائه نتنياهو، وبالطبع بدعم من المنظومة العربية البائسة إياها، والأسوأ مع قدر واضح من الدعم من زعيم السلطة والمنظمة وفتح في آن!! ما ينبغي التذكير به هنا هو أن ما يجري في قطاع غزة كان نتاجا للهبة الجماهيرية في الضفة. وإذا قيل إن ما جرى كان بسبب أسر المستوطنين الثلاثة (سمّاهم السيسي مواطنين) ومن ثم قتلهم، فإن المشهد العام لا يؤكد ذلك بالمطلق، إذ أن مسيرة الاستيطان والتهويد هي التي تستفز الجماهير، وفي المقدمة الاعتداءات التي أخذت تتصاعد ضد المسجد الأقصى. صحيح أن قتل الفتى محمد أبو خضير حرقا قد استفز الجماهير، لكن الصحيح أيضا أن الجماهير كانت ترد على عسف الاحتلال وتهويده واستيطانه، ما أدى إلى سقوط كثير من الشهداء، وقبل أن تتدخل غزة في الميدان كان الاحتلال يقتل بصواريخ الطائرات عشرة من الشبان، فكانت المواجهة الحالية. في المناطق التي لا يتواجد فيها أمن السلطة كانت المواجهات أعنف من تلك التي يسيطر عليها أمنها (جيش الاحتلال يدخل ويخرج وقت يشاء في واقع الحال)، لكن الوضع بدأ يتحرك تباعا. في قطاع غزة الكثير مما يحفز الجماهير على التحرك، فالمشهد هناك مزيد من الجرائم العدوانية البشعة من طرف الاحتلال، مع قدر هائل من البطولة، إلى جانب قدر غير مسبوق من التآمر العربي. كل ذلك كان من الطبيعي أن يستفز الجماهير، فالمشهد الإنساني صادم إلى حد كبير من خلال المئات من الشهداء (يقتربون من الألف)، والآلاف من الجرحى، فيما كان مشهد البطولة هو الأروع، إذ قدمت المقاومة هناك عطاءً مذهلا أثار حمية الجماهير واشواقها، ووضعها أمام مسؤوليتها من جديد، وأعاد لها ذكريات البطولة في انتفاضة الأقصى، فكيف وقد أضيف إلى ذلك مشهد التآمر من قبل وضع عربي بائس على المقاومة في قطاع غزة، حيث يراد تركيعها لشروط نتنياهو؟! من هنا كان طبيعيا أن ينفجر الأحرار رجالا ونساء في الضفة الغربية، وها إن سيل الشهداء يبدأ في الهدير، وها هي الجماهير تتحرك تباعا لتملأ الشوارع، ولتشتبك مع حواجز الاحتلال، وتتمرد علىشروط تلاميذ دايتون. يعلم الجميع أنه ما من شيء يمكن أن يوقف عدوان نتنياهو مثل انتفاضة شاملة في الضفة الغربية، وهي التي قاتل الاحتلال ومن يتبعونه في السلطة سنوات في سياق إعادة تشكيل الوعي من أجل الحيلولة دون انفجارها. وإذا ما استمر التحرك، فإن المؤكد أن الصهاينة سيديرون الظهر للسيسي وسيبحثون عن مخرج آخر، وسيفرضون عليه تغيير المبادرة، لكن ما نأمله في واقع الحال يتجاوز وقف العدوان على قطاع غزة. إن الأمل كل الأمل أن يؤدي ذلك إلى تفجير انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، بحيث يجري إهالة التراب على هذه المرحلة البائسة برمتها، وليتوحد الجميع على مسار الانتفاضة والمقاومة، بعيدا عن حكاية الانتخابات التي تزيد الانقسام وتصب في خدمة الاحتلال والسلطة وديمقراطيتها المصممة لخدمته. ثمة فرصة لقلب الطاولة في وجه هذا المسار البائس، ولتكون الوحدة حقيقية في الميدان بدون انتخابات، بينما تدار السلطة في غزة والضفة بالتوافق أيضا إذا لم ينسف وجودها الاحتلال (في الضفة لأنه لا يريد العودة لغزة)، مع أنه سيحرص على ألا يفعل. جماهير الضفة الغربية التي كانت صاحبة اليد الطولى في انتفاضة الأقصى ستستعيد بهاءها من جديد، وها إنها تبدأ المسيرة، ونأمل ألا تتوقف، فهنا وعلى هذه الأرض كمٌ من البطولة لا يقل عن غزة، مع فارق عدم وجود جيش الاحتلال في الأخيرة، الأمر الذي مكَّن المقاومة من إنشاء قاعدة عسكرية رائعة. ما أروع الضفة، وهي تنتفض في وجه القتلة، وانتصارا لدماء الأهل في قطاع غزة، وتحية لبطولة أبنائها وعطائهم. ما أروعها وهي تسجل تاريخا جديدا يهيل التراب على زمن دايتون والفلسطيني الجديد، فسلاما على الشرفاء والأحرار من كل القوى والفصائل والناس العاديين. سلام عليهم أجميعن