ذكرت سابقا أن ما قامت به «داعش» في الموصل وفي كل مكان، هو ما كان آباؤهم وأجدادهم يقومون به في تلك المنطقة، منطقة الجزيرة، من العيش على سلب الآخرين ونهبهم. خلصهم الإنجليز من هذه المهنة في أيام الانتداب بدفع علاوات لقادتهم، ولكن لا يوجد اليوم من يدفع لهم، كل واحد في هذه الأيام مشغول بالنهب لنفسه، فعادوا إلى سابق مهنتهم، حالما دخلوا المدينة نهبوا بنوكها وخزينة الحكومة، والآن هذه الخزائن فارغة ولم يعد هناك ما ينهبونه، ورغم أن التفكير ليس من شأنهم وغير معروف بينهم فإنهم فكروا بالفعل هنا، من يستطيعون سلبه ونهبه؟ لم يعد هنا أي يهود في المدينة، ولكن يوجد نصارى. حسنا، ولِم لا؟ زي بعض! أصدروا فتوى «على كل نصراني أن يدفع جزية أو يعلن الإسلام أو يواجه حد السيف»، ولكنهم عدلوا هذه الفتوى فيما بعد، فأضافوا: «أو يخرج من المدينة». اكتشفوا أنهم لا توجد عندهم سيوف كافية للقتل، ففتحوا الأبواب لهم ليخرجوا ويرحلوا إلى كردستان؛ الملاذ الآمن الوحيد الآن في العراق، وكان هو المطلوب بالضبط؛ أي أن يتركوا بيوتهم ومتاجرهم ومحلات عملهم لينهبوها، أو يصطادوهم في الطريق فيسلبوهم. سلابة نهابة. مدينة الموصل هي فاتيكان نصارى العراق، يمتد تاريخهم فيها إلى صدر المسيحية قبل نحو ألفي سنة، ومنها خرج كل أولئك المفكرين والعلماء المسيحيين الذين ساهموا في بناء حضارة وادي الرافدين عبر كل العصور. وفي القرن 12 وقفوا وقفة بطولية جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين واليهود في الدفاع عن المدينة ضد غزو الفرس. تحدث بطريرك الكلدان عن هذه الكارثة فحذر «من نتائج وخيمة على التعايش بين الأكثرية والأقليات، لا بل بين المسلمين أنفسهم»، وهذا هو الخطر. لم يعد أحد يأمن على نفسه. فبعد نهب خزينة الحكومة وسلب النصارى سيأتي دور المسلمين بطوائفهم المختلفة، وسيجدون شتى الذرائع للتعرض لها، واحدة بعد أخرى. تأتي المرأة في المقدمة، فبعد الفتوى التي سبق وأمروا بها كل الإناث بملازمة بيوتهن، أسرعت طالبات جامعة الموصل، وكانت بينهن واحدة من أقاربي، للهرب إلى كردستان، ملاذ كل أحرار العراق الآن وليس ملجأ للإرهابيين، كما قيل، إنها المنطقة الوحيدة الآن في الشرق الأوسط التي خلت من الإرهابيين والعمليات الإرهابية، ويعيش فيها الجميع آمنين على أنفسهم. جامعة الموصل مغلقة الآن، وهو غرض السلابين النهابين، فما من شيء يمقتونه ويحاربونه كالثقافة والعلم والتعلم، الجهالة والأمية هي البحر الذي يستطيعون السبح والغوص فيه ويروجون أساطيرهم وخرافاتهم وتلفيقاتهم على الدين والأنبياء، وعلى أبناء الطوائف الأخرى، وكل من أغلق أبوابه في وجوههم فتعذر عليهم قتله وسلبه واغتصاب حلاله وأهله. أعجب ما في أمرهم أن حكومة العراق وشعبه وأهل الموصل وكل الأسرة الدولية والقوى الخارجية يتركونهم يسرحون ويمرحون في شوارع المدينة كل هذه الأيام.