بوسعنا أن نضرب أمثالاً جديدة لحياة قديمة، أي في بداية القرن العشرين، كان برودال المؤرخ الفرنسي لا يتوقف عن السرد التسلسلي ويركز بحثه في شكله التقليدي حول الأحداث الهامة، فكان من ضمن أحداث هذا القرن سقوط فلسطين في يد الصهاينة، واسترسل كذلك حول الشخصيات الكبرى في تاريخ الإنسانية وأولهم رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي في ذكر بعض الأسماء التي أشار إليها المؤرخ من شخصيات سياسية وعسكرية كبرى في تاريخ الإنسانية، من أمثال الإسكندر المقدوني، أو يوليوس قيصر، أو جنكيز خان، أو نابليون بونابرت، وغيرهم من الشخصيات الاستثنائية، وبالعودة إلى تلك الأسماء الكبيرة في تاريخ الأمم حسب السرد التسلسلي لبرودال، وتأثيرها كان في غاية الأهمية على الزمن الجغرافي والزمن الاجتماعي وزمن الأفراد، والمدد الزمنية المختلفة حيث اقتربت من نهايتها دون خروج الإنسان عنها، ويمكن القول إن الأبعاد الثلاثة التي اعتمدت على الحقائق الجغرافية، والمجتمع والاقتصاد، ومن ثم الأحداث السياسية والعسكرية كانت توازنات راسخة. أما العهد الذي كان في عهد الصادق الأمين فقد كانت حقبة مشرقة نقلت الناس من الضلال إلى الهدى ومن الظلام إلى النور، فالإسلام بداية عهد الحضارة الإسلامية العظيمة على صعيد السلم الزمني، وتبعتها حضارات أخرى متنوعة تمتاز بالعهد المديد، فضلا ً على الشخصيات التي أبلت بلاء حسناً وتعلق الأمر بهياكلها التي نظمت مجتمعاتها عبر التاريخ بعقليات مختلفة، فقد كانت الفتوحات الإسلامية لتنوير القلوب والبصائر ولم تكن نهباً أو سلباً للأرض والأرواح، وشيدت حضارة الأندلس كمعلم للتاريخ وخير شاهد على التقدم الإنساني، فمثلما ورثت المسيحية الإمبراطورية الرومانية، فإن الإسلام ورث في بداياته الشرق الأدنى أحد أقدم المراكز لتلاقي البشر. لم تعد حركة الإنسان تعمل على استعادة اجتهادات القدماء، بل تريد شريحة كبيرة من الناس أن تعمل على تأسيس حضارة حديثة تتكون من ركام التقنيات السابقة والحاضرة ومفهوم منغلق، لكي تتفوق على الأزمنة القديمة وترتبط بحركة المجتمع. فقد ركز برودال على العوامل الثلاثة: الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وسلط الضوء على الرأسمالية التي اكتسحت كل الفضاءات بأوروبا والعالم، وقد نجحوا سريعاً في فرض زمن واحد على العالم بأسره، وهو زمن يسيطرون فيه وحدهم على التوقيت والمرجعيات، حسب كتاب العالم الراهن، في نحو الحضارات المترجم. إن أهم ما نريد تسجيله هنا أن العالم في تشكيل مستمر ومتنامٍ ومتغير، وبعناصر مجتمعة لن يشيّد أي حضارة ترتبط بالأسماء والأشخاص السابقين على غرار العظماء والقادة، في ضوء عالم مشتتة مصالحه تكاد تكون مشتركة ولكن في تناحر مستمر يريد الكبير تفتيت الصغير والاستيلاء على موارده ليس للحاجة بل من أجل الاستعمار والانتقام. لقد مضت القرون بحضاراتها وعظمائها وقادتها وعباقرتها وفلاسفتها ومؤرخيها، وظل العالم يعاني من فقر الإنسانية، منهجه التاريخي انسلخ عنه مقابل تحولات غير موضوعية، تحافظ على المقتنيات وتستهلك الأرواح، فالحضارات تستغرق أمداً طويلاً، ومرحلة ترتبط بالكيفية في أفق البطولات والمسؤوليات الثقيلة التي لا يتحملها إلا العظماء، وليس المتآمرين والساسة المندسين خلف البرلمانات والاتحادات والمجالس، إن المناطق الأكثر حلكة وأشد ظلاماً هي تلك الدول التي أوهمت شعوبها بالمثالية وسرقت التقنية الجوهرية للأمم، وعادت إلى قانون الغاب، كمنهج تاريخي بعيداً عن القيم، ونتيجة نهائية لكشف الحجاب عن الأنظمة العالمية، فالزمن اليوم أسرع من بناء حضارة بحجم الحضارات القديمة، فإذا ما استطعنا التغلب على هذا الخطأ في النسبة، لن يجرؤ الحاضر على تخطي الماضي والأسباب أعدت سلفاً.