مع اشتداد الحملة الصهيونية على غزة، ترتفع الكثير من الحجج التي تحمل المقاومة - وحماس بشكل أكثر تحديداً - مسؤولية ما يجري. يمكن القول إن جانباً رئيساً من هذا الموقف السلبي من «حماس» يعود بجوهره إلى علاقتها بإيران. فإيران التي استطاعت منذ الثورة الإيرانية بناء تحالف متماسك مع سورية بشكل رئيس، ثم مع «حزب الله» و«حماس»، دائماً ما يتم تصويرها على أنها تهديد رئيس في المنطقة، ومن هنا يكون الموقف من «حلفائها» - وحماس بشكل رئيس - عدائياً وغير ودود. في اعتقادي أن هذه الصورة تعاني من ثلاث مشكلات أساسية تستدعي معالجتها ضرورة صياغة مقاربة جديدة تجاه «حماس». المشكلة الأولى تتعلق بالنظر إلى «حماس» بأنها محض أداة إيرانية في المنطقة. هذه النظرة تغفل ثلاثة جوانب: الأول أن «حماس» تشكلت في سياق محلي هو الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الصهيوني، وكانت علاقتها بإيران منذ تشكلها وحتى حرب الخليج ضعيفة بالمقارنة مع علاقتها بدول الخليج. أما الثاني، فالذي دفع «حماس» إلى توطيد علاقتها بإيران عاملان رئيسان: الأول تأزّم علاقتها مع بعض الدول العربية الداعمة لها بعد موقفها الرافض لتدخل القوات الأجنبية في حرب الخليج، وأما الثالث فهو نفي الكيان الصهيوني لمجموعة كبيرة من قياداتها إلى لبنان أوائل التسعينات. هذان العاملان دفعا الحركة إلى التفتيش عن داعم خارجي لها. بعد اتفاق السلام الذي وقعته الأردن مع إسرائيل، وخصوصاً بعد المضايقات التي وجهتها الأردن لـ«حماس» عام ١٩٩٩، فقررت الأخيرة نقل مكتبها السياسي من الأردن إلى سورية. أي أن انضمامها إلى المحور السوري - الإيراني كان ضمن ظروف صعبة. أما الأمر الأخير، فهو أن التحالف لا يعني التبعية المطلقة، ويتضح هذا الأمر من موقف «حماس» من الثورة السورية. فبعد أن أعلنت «حماس» موقفها المنحاز إلى الثوار السوريين وهو موقف يتناقض ومصالح المحور «إيران - سورية - حزب الله»، تعرضت علاقاتها مع هذا المحور لكثير من المشكلات. فمكتبها السياسي في سورية أغلق، وأصاب علاقتها مع «حزب الله» بعض الفتور. أما بالنسبة لإيران، فبحسب تقارير متنوعة، توقف الدعم العسكري والمادي منذ نهاية ٢٠١٢ الذي كانت تتلقاه «حماس» منها. إلا أنه بعد عدة أشهر عاد بشكل متواضع، ثم بدأت العلاقات واللقاءات بالتحسن، إلا أن بعض قيادات «حماس» يؤكدون أن الدعم العسكري ما زال متوقفاً. فإن كانت «حماس» محض أداة إيرانية في المنطقة كيف تتجرأ على الوقوف في صف الثوار السوريين ضد أهم حليف لإيران؟ هذا يقودنا إلى المشكلة الثانية في هذا الطرح، وهو أن العلاقة بين إيران و«حماس» ليست علاقة أحادية الاتجاه. فبقدر ما تحتاج «حماس» من إيران إلى المال والسلاح والتدريب والنفوذ، فإنها تقايض ذلك بما تتوفر عليه من رصيد رمزي ضخم. فهي حركة مقاومة وفلسطينية وسنية، وهذه الصفات الثلاث توفر لإيران قوة ناعمة كبيرة، فهي بدعمها لـ«حماس» تعيد تثبيت صورتها بأنها الداعمة للمظلومين في العالم، ولأن «حماس» سنية، فهذا يمكن إيران من تجاوز تأطيرها بأنها قوة طائفية، ولأنها فلسطينية فهي تستطيع كسب تعاطف الكثير من الجماهير العربية التي تمثل قضية فلسطين بالنسبة لهم القضية الأولى. وهذا الرصيد الرمزي الكبير يتيح لـ«حماس» مساحة للمناورة والاستقلال، ويجعل من تصويرها بأنها أداة إيرانية محض تسطيح. أما الأمر الآخر فهو أن «حماس» - مثلها مثل أي فاعل سياسي - تسعى إلى تنويع وتوسيع شبكة تحالفاتها. فبمجرد أن أتاح الربيع العربي فرصة لـ«حماس» بأن ترتبط بحلفاء من محيطها العربي لم توفر الفرصة، بل واستغلتها لإدانة سياسة القمع التي يمارسها حليفها السوري في خق المتظاهرين والثوار. وهذا كله يكشف أنها علاقة معقدة لا يمكن اختزالها بعلاقة تابع بمتبوع. أخيراً، تتلخص المشكلة الثالثة مع هذا الطرح في أنه يتغافل كون «حماس» حركة اجتماعية. وأقصد بذلك أنها ليست ميلشيا مسلحة بقدر ما هي شبكة معقدة من المؤسسات والمصالح الاجتماعية والدينية والسياسية. ما يتيح لها المجال لأن تدير شؤون قاعدة شعبية عريضة. وهي حركة تحت الاحتلال ترفع شعار مقاومته، وهو الأمر الذي يجعل تحالفاتها الخارجية محكومة بحاجاتها الداخلية. ولا شيء أدل على قوة وتجذر هذه الحركة، إلا قدرتها - على رغم تدهور علاقتها مع المحور الإيراني وتردي الأوضاع في المنطقة - على مواجهة العدوان الإسرائيلي بشكل شجاع وقوي ما رفع شعبيتها عند الجماهير العربية. ثلاثة أحداث إقليمية تدفع إلى إعادة النظر للعلاقة مع «حماس». أولها التقارب الإيراني - الغربي وتصدع التحالف الدولي الذي تقوده أميركا لعزل إيران ومعاقبتها. أما ثاني هذه الأحداث فهو تنامي الحركات السلفية الجهادية بين العراق وسورية، وهذه الحركات تستمد شرعيتها من كون النظام الإقليمي العربي مغترب عن آمال وتطلعات الشعوب العربية ومنشغل عن الدفاع عنها وتبنيها. أما الحدث الثالث، فهو التطورات الأخيرة في غزة. فالعدو الصهيوني واضح في رفضه لأية عملية سلام وممعن في إعمال آلة القتل الخاصة به في الفلسطينيين. هذه الأحداث تجعل من الضروري طرح رؤية مختلفة للمنطقة تستثمر الفرص الموجودة وتواجه التهديدات المطروحة. وضمن هذا الإطار يحقق دعم «حماس»، إلى جانب كونه واجب تحتمه رابطة العروبة، عدة فوائد. فدعمها سيسهم في إبعادها عن المحور الإيراني، وكذلك سيضع هذا الدعم حداً أمام الإرهاب الصهيوني وسيسهل من حل الخلافات الداخلية بين الفلسطينيين. أخيراً، فإن هذا الدعم، ولأنه موجه لمصلحة القضية الفلسطينية، سيزيد من شعبية الدول الداعمة ويسهم في رفع حال الانسداد التي تتغذى عليها الحركات الجهادية.