يؤلمني أن أرى أغلبية المتسولين في كثير من دول العالم من المسلمين. شاهدت ذلك في أوروبا وآسيا، الأكيد أن المسلمين في دول مرت بأزمات وحروب لا ذنب لهم فيها، يندفعون للهجرة والهروب من جحيم سوء المعاملة، والخوف من التعذيب والتصفية. لكن لماذا يتحول المسلمون إلى التسول، بينما يندمج الآخرون في المجتمعات بشكل أسرع؟ هذا السؤال طالما حيرني وأنا أشاهد منتسبي جنسيات معينة يسيطرون على الوظائف التقنية والهندسية والطبية والمالية وحتى القانونية، بعد أن كانوا مجرد لاجئين هربوا من سوء المعاملة في دولهم. أحسب أن تردي التعليم هو واحد من أسباب تحول اللاجئين المسلمين إلى الشوارع والزوايا، يسألون الناس. يأتي هؤلاء إلى دول ليس عندها إشكالية في تشغيل من لديه القدرة والمعرفة، لكنهم لا يحملون أياً منهما. سبب آخر أظنه مؤثراً ومهماً، هو عدم اهتمام الجمعيات الإسلامية والمراكز التي تتبعها بتأهيل وتعليم هؤلاء وأطفالهم والعناية بهم، حتى يجدوا الملجأ، ويحصلوا على الوظائف التي تناسبهم، ويجد أبناؤهم التعليم الذي يحتاجون إليه، لئلا تتكرر المأساة معهم. يأتي السبب الثالث كمحور لأغلبية أعمال التسول التي نشاهدها، والذي نشر التسول في أغلبية دول العالم الإسلامي، وعندنا بالذات، إنه الفهم الخاطئ لحث الإسلام على الإحسان للمحتاجين، ومساعدتهم لتكون حياتهم أفضل. يمكن أن يقدِّم الواحد منا المال للمتسول ويذهب في حاله، لكنه لا يسأل أسئلة مهمة، طلب منه الشرع أن يتثبت منها. أهمها هل هذا من المستحقين فعلاً، وما مآل المال الذي يقدمه المتصدق للمتسول؟ البحث عن المحتاجين مهمة أساسية للمحسنين، هذا التضامن الاجتماعي والتعاضد يدفع بنا للتواصل مع بعضنا بعضا، لنتعرف على من يخدعنا ومن يستحق المساعدة. إذاً فتقديم الأموال لمن يقفون في المساجد وعند الإشارات هو من عناصر تأسيس ونشر هذا المنظر بهذا الشكل المؤلم بين ظهرانينا، وفي شهر رمضان بالذات. بل إن هناك مخاطر أمنية تأتي مع انتشار هؤلاء، خصوصاً أن أغلبيتهم لا يملكون مستندات رسمية، إنما يدخلون المملكة عن طريق التهريب، ويمارسون أعمالاً مخلَّة بالأمن والدين، يعلمها المختصون. ومع رمضان ترق القلوب، لكنها لا بد أن ترق لمن يحتاجون، وليس من يحتالون، فتثبتوا قبل أن تدفعوا.