بعد أن تم الإعلان عن سقوط طائرة تابعة للخطوط الماليزية رحلة رقم (إم أتش 17) فوق شرق اوكرانيا على مسافة تبعد (30) ميلا من الحدود الروسية، سأل الكثير عن سبب قيام الطائرة الماليزية بالتحليق في مسار فوق منطقة توجد بها نزاعات عسكرية تم من خلالها إسقاط طائرات اوكرانية من قبل ثوار موالين لموسكو. وتبادر هذا السؤال حتى قبل أن يتم الإعلان فيه بأن الاحتمال الأكثر هو أنها سقطت عن طريق صاروخ روسي. فقبل فترة قامت خطوط جوية مثل (كوانتس) الأسترالية بتغيير خط مسار رحلاتها بعيدا عن شرق اوكرانيا. فلم لم تقم الخطوط الماليزية وكذلك الخطوط السنغافورية بتغيير خطوط السير بين شمال اوروبا ومنطقة وسط آسيا؟ وكذلك فإن روسيا كانت ومنذ فترة تريد أن تظهر للعالم أن هذه المنطقة تعتبر خطرا على مسارات الطيران المدني لكي تبلغ العالم بأن شرق اوكرانيا منطقة يسيطر عليها الثوار الموالون لها. ولعلم القارئ فشرق اوكرانيا ليس بالضرورة أن سكانه من أصول روسية، ولكن الأغلبية هم من الناطقين بالروسية. وللعلم فقد تتضح أمور أخرى حول الحادث في وقت لاحق. في البداية أعلنت موسكو أن الطائرة المقصود اسقاطها هي طائرة الرئيس الروسي (بوتين) ولكن من أول وهلة لما حدث لاحظ كل مراقب أن الثوار الموالين لروسيا هم الوحيدون المتواجدون في تلك المنطقة في الأساس، وكانوا أول من وصلوا لموقع الحادث. ونظرا لوعورة المكان والبنية التحتية السيئة لهذه المنطقة، فقد أدى ذلك إلى تأخر وصول لجان دولية للتحقيق في حادث مثل هذا النوع. حيث تأتي عادة لجان فنية متخصصة في علوم الطيران والبحث الجنائي ومتخصصون طبيون لمعرفة أسباب موت البعض من الضحايا بغض النظر عن كيفية وفاتهم قبل أو بعد السقوط على الأرض. وعند وصول أول مراسل أجنبي لموقع الحادث لاحظ عدم الاهتمام والفوضى بموقع الحادث، خاصة فيما يتعلق ببعض أجزاء الطائرة التي من الممكن أن تعطي دلالة أكثر على ما حدث. ولكن كيف تم معرفة أن سبب الحادث هو صاروخ تم إطلاقه على الطائرة؟ في نفس المنطقة تم مشاهدة منصات إطلاق صواريح متحركة أكثر من مرة من منظومة (بوك) التي تطلق صواريخ نوع (سام-11) وبإمكان تجهيز المنصة خلال دقائق. وإذا كان الطاقم مدربا فبإمكانه رصد الهدف خلال ثوان معدودة. وينطلق الصاروخ بسرعة تصل إلى ثلاث مرات سرعة الصوت. أي حوالي (2600) ميل في الساعة، وعادة يتم توجيهه نحو الهدف حتى بعد الإطلاق. وهذا النوع من المنصات يحتاج إلى طاقم مكون من أربعة من الفنيين المدربين إضافة إلى دائرة إتصال مع قيادة مركزية قبل إطلاق الصاروخ. وما أن يتم تشغيل رادار هذا النوع من المنصات للبحث عن هدف جوي، فإن أجهزة التنصت تلتقط الإشارة بصورة اوتوماتيكية. وأجهزة التنصت عادة تكون على ما يسمى (باسيف مود). ولكن الأخطر من ذلك هو أنه ما أن يتم متابعة هدف جوي وبدء عملية ما يسمى الإغلاق (لوك أون تارغيت) فإن أجهزة التنصت تذهب إلى مرحلة أخرى من التحذير إذا كانت الطائرة المراد إسقاطها هي طائرة حربية. ولكن الطائرات المدنية لا توجد بها هذه الخاصية. ولكن من السهولة التقاط إشارة الإغلاق على الهدف بواسطة أجهزة التنصت التابعة لحلف الأطلسي. وحيث إن المنطقة التي سقطت فيها الطائرة منطقة نزاع وهناك تجاذب بين أمريكا وروسيا فإن أجهزة الترصد والتنصت الغربية تكون موجهة لهذه المنطقة. وقد تم رصد إشارة إلكترونية توحي بوضع تشغيلي لرادار توجيه نيران (فاير كونترول رادار). ومن المعلوم أن اوكرانيا لا توجد لديها صواريخ من هذا النوع في شرق اوكرانيا. وقد تكون روسيا قامت بتدريب الثوار الموالين لها كي يستهدفوا أي طائرة شحن أو إمداد عسكرية. وفيما يخص معرفة إن كانت الطائرة تم اسقاطها بواسطة صاروخ فهذه مسألة بسيطة للمحققين لأنهم يستخدمون أجهزة الإشعاع النووي لمعرفة آثار أي رأس تفجيرى. ولعلم القارئ فإن صاروخ (سام-11) لا يحتاج الى ضرب الطائرة مباشرة ولكنه ينفجر عند الاقتراب من الطائرة ليتناثر و ضرب أجزاؤه جسم الطائرة. ولكن وفي نهاية المطاف فإن كانت روسيا هي وراء هذا الحادث فسيكون الرئيس (بوتين) في ورطة لن يخرج منه بسهولة. وللمقال بقية.