ذاك السؤال عن عمرك فيما أفنيته حين يكون السائل رب العالمين وفي يومٍ عظيم يقشعر لذكره بدن ذي اللب وترتعد له فرائصه، وهنا يكون في القول تناصح في الله وتذكير لتدارك الوقت واغتنام الأزمان للإعداد للجواب قبل أن تنقطع سبل المراجعة والتصحيح والعمل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) هو قول لمن لا ينطق عن الهوى وإن هو إلا وحي من السماء للتحذير من إضاعة الوقت سدىً، فمن بدأ هنيئاً له، ومن ما زال في غفلة لديه مهلة مقدارها علمه عند الله فلا بد أن يغتنم ما بقي منها في نفع الدنيا والآخرة ويجهز ما يليق بالخالق ومننه وعطاياه، فإن كان قد أنعم عليه بالصحة والشباب والقوة فليؤدي شكرها ويستعملها في الطاعة ويسخرها فيما يرضيه عنه ويتجنب ما نهى عنه قبل أن تأتي لحظات ستشهد فيها الجوارح بما اقترفه صاحبها، وإن وسّع الله له في رزقه فليحمده على نعمائه، ويشرك بذلك الرزق بائس وفقير بصدقة أو إطعام وليكن على ثقة أن المال لا ينقص من صدقة بل يزيد، وإن غدا من فضل الله عليه أنه ذا علم فليسخره لنفع المسلمين ويحتسبه لوجهه تعالى ولا يغتر به فيبرهن على جهل ويشبه حمار حمل أسفاراً بعلمٍ لم يتثقف به ولم يعِ رغم ما تلقى أن فوق كل ذي علم عليم. ولنتذكر إن مراحل العمر في عد تنازلي، والقوة والنشاط والفراغ والعافية في البدن والنفس كلها مكاسب إن لم تشغلها في الحق والنافع شغلتك بالباطل وأوقعتك في المحذور فلم تكسب المكسب الحقيقي قبل الرحيل، وستقابل رب العالمين دون أن تعد لما ستقول عند السؤال عما قضيت فيه العمر والشباب وما صنعت بمال وعلم. الدنيا تلك العجوز الشمطاء تغرر بضعيف بصيرة وربما بصر فلا يراها على حقيقتها ولا يتعظ من حالها وأقدارها وكفى بالموت واعظاً فرحيل قريب أو حبيب يستوجب التفكر والتدبر والتذكر فقد يكون القادم أنت. .. اللهم يا رب أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وبارك لنا في أعمارنا وقواتنا ما أحييتنا، وفقهنا فيما علمتنا وأرض عنا بفضلك، وكفر عنا سيئاتنا، وأحلل بركة في أرزاقنا، وسعة في أخلاقنا، ونوراً في بصائرنا وأبصارنا، واشملنا برحمتك يا كريم.