هذه المجزرة الوحشية التي ترتكبها إسرائيل في غزة تلقي بعبء ثقيل على ضمير المجتمع الدولي الذي عجز للأسف عن لجم هذا العدوان البربري بأحدث المقاتلات والأسلحة الفتاكة على شعب محاصر منذ أكثر من عامين في شريط ضيق العدو من ورائه والبحر من أمامه. عشرات المدنيين الفلسطينيين قتلوا معظمهم نساء وأطفال لم يجدوا مهرباً من غارات الطيران الإسرائيلي غير جدران منازلهم لكن قوات الاحتلال الغاشم لم ترحمهم فدمرت البيوت على سكانها وأبيدت أسر بكاملها حتى بلغ عدد القتلى من عائلة واحدة 20 شهيداً وما تفعله قوات الاحتلال في غزة ليست عمليات نوعية تستهدف صواريخ حماس البدائية التي لم تقتل حتى الآن إسرائيلياً واحداً، بل هجوم انتقامي بربري على الشعب الفلسطيني كله انتقاماً لحادث اغتيال المستوطنين الثلاثة وسباق بين جنرالات المؤسسة السياسية/ العسكرية الإسرائيلية على حصد المكاسب السياسية في بازار التنافس الحزبي بين صقور اليمين الإسرائيلي. لقد أدان كثير من الفلسطينيين وعلى رأسهم رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية عملية اغتيال المستوطنين الثلاثة، وأكد أن خيار الشعب الفلسطيني هو السلام والمفاوضات من أجل التوصل لحل عادل، لكن القادة الإسرائيليين درجوا على استغلال العمليات اليائسة التي قد يقوم بها بعض الفلسطينيين بشكل فردي بسبب ما يرونه من معاناة شعبهم من ظلم واضطهاد وقمع وإذلال يومي، وقد كان في إمكان المجتمع الدولي تجنيب الشعب الفلسطيني هذه المأساة التي تتوالى مشاهدها الدامية في غزة لو عملت القوى الدولية المتنفذة بإخلاص لفرض حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية بدلاً من السماح لصقور السياسة الإسرائيلية بإجهاض كل مبادرة جادة للسلام، والاستمرار في مشاريع الاستيطان للاستيلاء على ما بقي من أراض في أيدي الفلسطينيين، والإمعان في إذلال الشعب الفلسطيني بالاعتقالات والقمع والإهانات عند الحواجز وجدران الفصل العنصري. لقد ظلم الشعب الفلسطيني كثيراً وصبر كثيراً وكلما لاح في أفقه وميض أمل بددته سياسات إسرائيل التي تتحدى قرارات الأمم المتحدة التي حددت مرجعيات السلام العادل دون أن يجرؤ أحد على محاسبتها. ومثلما عانى الفلسطينيون من ظلم الدول الكبرى لهم عانوا أيضاً من انقساماتهم الداخلية وصراعات فصائلهم وعدم وجود إستراتيجية وطنية متفق عليها لمقاومة الاحتلال. فإصرار «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على تحدي الإستراتيجية التي تبنتها السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار الإجماع العربي والقائمة على خيار السلام والتفاوض يمنح جنرالات المؤسسة السياسية/ العسكرية الإسرائيلية الفرصة لقتل الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته ودفعه إلى حافة اليأس من حلمه الوطني. إن حماس وحلفاءها من الفصائل التي تمردت على السلطة الوطنية الفلسطينية تعرف الفرق الهائل في ميزان القوة لصالح إسرائيل وتدرك أن الخيار العسكري ليس وارداً في ظل المعطيات الراهنة؛ فصواريخ حماس الإيرانية البدائية التي لا تسقط إلا في الأرض الخلاء لن تهزم جيش الاحتلال الذي يحصل من الدول الغربية على أحدث ما تنتجه صناعاتها العسكرية من تقنيات. لقد سارع خادم الحرمين الشريفين بتقديم 200 مليون ريال كمساعدة عاجلة لإغاثة ضحايا العدوان الإسرائيلي، وطرحت مصر مبادرة لوقف إطلاق النار، وهذا الجهد المزدوج من الدعم المادي والسياسي يفتح نافذة أمل لإنقاذ أهالي غزة الصامدة من هذا الجحيم الذي تصبه عليهم طائرات الاحتلال وهم صائمون، ومطلوب الآن من المنظمات الفلسطينية في غزة وقفة محاسبة ومراجعة وتقييم لجدوى الاستمرار في هذه الحرب غير المتكافئة، ونقطة البداية في هذه المراجعة يجب أن تكون إنهاء هذه الازدواجية في القرار الفلسطيني وإعطاء الفرصة للسلطة الوطنية الفلسطينية المنتخبة لإدارة معركة مقاومة الاحتلال من خلال إستراتيجية وطنية عقلانية مدعومة عربياً ومقبولة دولياً.