في شهر رمضان وفي مدينة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يجتمع شرف الزمان مع شرف المكان، فإذا أضيف إليهما شرف العمل اجتمعت الأركان الثلاثة التي يحبها الله ورسوله فأنتجت عملا طيبا رائعا جذوره في الأرض وعطاؤه في السماء ومن رب السماء والأرض. في المدينة المنورة أيتام أوصى الرسول بهم ـ في أي مكان كانوا في هذه الأرض ـ فقال عليه الصلاة والسلام: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك)، وقال في حديث آخر: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا)، ومن قبل ذلك ومن بعده حثنا ربنا تبارك وتعالى على الأيتام، وأمرنا بالعناية بهم، ولهذا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون). أيتام المدينة قيض الله لهم أيدي حانية؛ فتبنتهم (جمعية تكافل الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة المدينة المنورة) هذه الجمعية الخيرة التي يرأس مجلس إدارتها سمو أمير المدينة فيصل بن سلمان، ويساعده في الإشراف والعمل والإنجاز عدد من شخصيات المدينة المحبين لفعل الخير والسهر على رعاية الأيتام منهم الدكتور منصور النزهة والدكتور عبد المحسن الحربي والدكتور سمير المغامسي وآخرون لا نعلمهم ولكن الله هو الذي يعلمهم وهذا هو الأهم، وهذه المجموعة المباركة اجتمعت مع نخبة من أهالي المدينة الطيبين في ليلة الخميس الماضي في حفل هو الثاني من نوعه (حفل اليتيم الثاني) وذلك لجمع تبرعات لأيتام المدينة المنورة تكون نواة عمل وقفي لهم يساعد بصورة كبيرة على قضاء حوائجهم المستمرة على مدار العام حتى وإن شح العطاء في بعض الظروف، وهذا النوع من العمل المؤسسي المنظم هو الذي يكتب له الاستمرار عادة وهو الذي يكتب له النجاح المستمر، وهو ـ أيضا ـ ما نحتاجه في بلادنا الطيبة كي نضمن أن أعمالنا الخيرية تذهب في الطريق الصحيح الذي يراد لها أن تذهب إليه ولا تقع في أيد غير أمينة تريد الإساءة للوطن ولأهله وللإسلام قبل ذلك وبعده. من هذا المنطلق حرص سمو الأمير فيصل بن سلمان على تشجيع هذا النوع من العمل الخيري الموجه للأيتام فكان جزاه الله خيرا من أكبر داعمي الجمعية ماديا ومعنويا !! ففي الاجتماع كان دعمه للجمعية بمليون ريال، وكانت التبرعات الأخرى من الحضور حوالي ثلاثين مليونا من الريالات - جزى الله الداعمين خير الجزاء - وأعتقد أن جهود الأمير وحرصه على (أيتامه) هو من أسباب جمع تلك التبرعات التي أرجو أن تستمر في الأيام وفي الأشهر القادمة حتى يكون مجتمعنا خاليا - أو شبه خال - من المحتاجين والمعوزين والفقراء. ولعلي أشير الى نوع آخر من أعمال الخير الذي اهتم به سمو الأمير منذ قدومه الى المدينة المنورة مستكملا ما قام به سمو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز وهو مشروع التبرع الالكتروني أو الصدقة الالكترونية، فقد دشن الأمير فيصل هذا المشروع مع البنك الأهلي ليكون العمل الخيري متمددا ومتوسعا في بلادنا ليشمل كل المحتاجين في كل بلادنا وهو جهد يشكر لسموه وأيضا لكل من شارك فيه من الداعمين أو من المؤسسات التي ترعى هذا العمل الايجابي العظيم. الذي أود التأكيد عليه أن من صفات المجتمع المسلم أن يكون مجتمعا متراحما متعاطفا وهذا هو الذي يحقق له التلاحم والاستقرار والقوة، وهذا المجتمع يجب أن يحارب الفقر بقدر الإمكان لأن الفقر ما حل بجتمع إلا وأفسده ولهذا السبب كانت دعوة الإسلام للصدقة وكانت الزكاة جزءا من أركان الإسلام الخمسة، ومن هنا كانت أهمية الجمعيات الخيرية بكل أنواعها واهتماماتها لكي تكون رافدا قويا للدولة في إحداث توازن نوعي بين طبقات المجتمع فلا يكون هناك غنى فاحش في الوقت الذي يكون فيه فقر مدقع في جانب آخر. وعمل الخير وحبه منحة من الله للبعض ولا يشعر بمتعته إلا من مارسه شخصيا؛ فالعطاء في كثير من الأحيان يكون أحب للبعض من الأخذ !! فرحة اليتيم وأنت تراها في عينيه تدخل البهجة على قلبك قطعا وكأنك أنت الذي تفرح وتسعد وهكذا فرحة الفقير والمريض والمحتاج، والسعيد من وفقه الله لهذه الأعمال الشريفة وأعانه على الاستمرار فيها. في بلادنا خير كثير ولكنه يحتاج إلى تنظيم وحسن تدبير وتذكير الناس بما أوجبه الله عليهم ففي زحمة الحياة ينسى البعض واجباتهم تجاه الآخرين من أبناء مجتمعهم وهم جزء منهم ولا تستقيم الحياة لهم جميعا إلا بتعاونهم معا ولابد أن يكون هذا هو شعور الجميع لتستقيم لهم الحياة كما أرادها الله لهم. الشكر لأمير المدينة على كل جهوده الخيرة والشكر أيضا لكل من وقف معه وساعد في إنجاح مشاريع الأيتام التي تبقيهم فاعلين في مجتمعهم ومؤثرين فيه.