في المجتمعات الأخرى الواعية يدعمون الفاشل ويأخذون بيده حتى ينجح.. ونحن نحارب الناجح حتى يفشل، وإذا استعصى علينا أمر إفشاله عملنا على إلغائه تماماً، والأمثلة على ذلك أكثر من الهم على القلب، لعل آخرها ماحدث لأمين لجنة مكافحة المنشطات السابق؟!. التحكيم مثلاً.. وما أدراك ما التحكيم: عندما كانت كرتنا في أوج عنفوانها ومجدها.. لم يكن لدينا مشكلة مع التحكيم المحلي من أي نوع، وكانت الأمورتسير سيراً طبيعياً.. أي أن التحكيم آنذاك لم يكن يشكل المشجب الذي يلقي عليه الفاشل فشله كاملاً كماهوالحال الآن، وهذا لا يعني أنه لم يكن ثمة أخطاء تحكيمية.. بل كانت هناك أخطاء، وستظل الأخطاء ملازمة للعمل التحكيمي طالما بقيت ممارسة لعبة كرة القدم شئنا أم أبينا. الشاهد: قلت سابقاً، وأقول الآن، وسأظل أقول: نحن الذين سمحنا وباركنا فكرة تدمير تحكيمنا المحلي، ونحن الذين جنينا عليه وبذلك جنينا على أنفسنا بقصد منا أو بدون قصد.. فالكثيرمنا يعلمون تماماً كيف بدأت فكرة العمل على إفشاله وتحويله إلى (قضية) زوراً وبهتاناً؟!!. ذلك أنه خلال حقبة ما، وعندما عجزت وأعيت إدارة أحد الأندية عن منافسة الهلال ومجاراته بطولياً وميدانياً.. تفتق ذهنها عن ابتكار (كذبة) فحواها التشكيك في المكتسبات الهلالية، وبما أن التحكيم هوالحلقة الأضعف، وهوالطرف الذي يمكن استخدامه كمشجب، وكمعول فعّال في ذات الوقت للحد من انطلاقة الطوفان الأزرق من خلال التأليب عليه، والمطالبة باستباحة حقوقه، هذا جانب.. الجانب الآخر من (المكيدة) يتمثل في ذرف دموع التماسيح وتمثيل دور الضحية.. وكان لابد من عتاد وعدّة لإنجاح المشروع.. لذلك تم حشد (الحواشي) والأشباه وأصحاب الأهواء المنسجمة فكرياً وغايات مع فكروغاية صاحب (الكذبة) متزعم مشروع ترويجها والتكريس لها.. لذلك استغلوا وسائل الإعلام المختلفة أسوأ استغلال، وأضحى الضرب على هذا الوتر هو شغلهم الشاغل، إلى درجة أن مباراة مقامة مثلاً بين الهلال وفريق آخرفي مدينة أخرى لاناقة ولاجمل لصاحب الكذبة فيها.. ولكنك تتفاجأ به يحشرأنفه متطوعاً يمارس (الولولة) عبر وسائل الإعلام متجنياً وطاعناً في نزاهة التحكيم فقط من أجل التكريس للكذبة، والبلهاء يصفقون، و(هات يا إشادات، وهات يا أوصاف وألقاب).. إلى أن بلغ الأمر حد التهكم والتندر بأسماء وأشكال الحكام ووصفهم بالعصابات؟!!. كل ذلك كان يحدث تحت أنظار وأسماع من يعنيهم الأمر.. وكانوا يتعامون ويصمّون آذانهم عما يجري وكأن الأمر لايعنيهم من قريب أو بعيد، في تجاهل تام لخطورة الوضع الذي يعني التضحية بإحدى ركائز كرة القدم؟!. ولأن لكل عمل (متعوب عليه) تداعياته.. فقد كان من تداعيات ذلك الاستهداف انسياق مجموعات من مشجعي فريق متزعم الحملة خلف ذلك الوهم، فتسابقوا للانخراط في سلك التحكيم زرافات ووحداناً دون تمحيص، ليتفاجأ المتابع بعد حين بأن الغالبية العظمى من الحكام أصبحوا ممن ينتمون ويميلون لذلك الفريق، ولا اعتراض على ذلك ولكن السؤال: ماهي النتيجة؟!!. إن من أعجب عجائب ساحتنا الرياضية اليوم - على كُثرما فيها من عجائب وغرائب - هو التركيز على كل شاردة وواردة تتعلق بحكم المباراة ومتابعتها أكثر من التركيز على باقي العناصر، بما في ذلك جوانب الإبداع الأدائي والخططي.. وبالتالي تخصيص معظم الطرح للحديث عن التحكيم.. ومنها الترحيب بالأخطاء التحكيمية والمطالبة بالمزيد منها عندما تكون لصالحنا، في مقابل اعتبارها (جرائم) عندما تستفيد منها الأطراف الأخرى.. يعني (حلال علينا، حرام على غيرنا).. كذلك اتساع رقعة ثقافة تحميل جميع أسباب فشل الفرق في أداء دورها، وفشلها في إقناع الرأي العام على كاهل التحكيم زوراً وبهتاناً.. ولنأخذ مباراة الهلال والاتفاق الأخيرة كأقرب الأمثلة؟!!. نعم: تحكيما يحتضر مع شديد الأسف.. ولكن من هو السبب، لقد ظلمناه، حينما لم نأخذ على يد من حمل (المعول) الأول قاصداً عامداً هدم أركانه، ولاسيما في ظل افتضاح أمره، وانكشاف أبعاد مراميه، وشيئاً فشيئا تكاثرت المعاول الهدامة إلى أن تحول إلى (مسخ).. وهذا لا يعني بأي حال القطع بكفاءة كل من ارتدى بزة التحكيم وحمل الصافرة وقال: (أنا ابن جلا)، ولكنه بشيء من الحرص والغيرة على مستقبل وسمعة واجهتنا الرياضية، وبعيداً عن المجاملات والوصايات، وعن سطوة مراكزالقوى ذات اللون الواحد المتغلغلة في أوصال منظومتنا الرياضية.. يمكن التركيزعلى اختيار الأصلح والأكفأ بصرف النظرعن الميول، وبالتالي الخروج بحصيلة مشرفة من الحكام الذين يفرضون هيبتهم واحترامهم، أو بمعنى آخر: الذين تفرضهم كفاءتهم وجدارتهم، لاالميول ولاالمحسوبيات. الخلاصة: لاجدال في أن ما آلت إليه أمورتحكيمنا المزرية، إنما هو ثمرة مازرعناه.. وما ارتكبناه بحقه من تخاذل.. أما مسألة خلومباريات كرة القدم من أية أخطاء تشمل المدرب واللاعب والحكم فهو المستحيل بعينه. بيت القصيد: (إذا كان رب البيت للدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهمُ الرقص) fm3456@hotmail.com