ليست هناك مفارقة بين الادب وبين الثقافة كمصطلحين او تعريفين بالقدر الذي يراه بعض المتطلعين الى الادب والثقافة كرؤية منهم نحوهما، لان الادب مع مرور العصور هو الذي كان يحمل الثقافة اما الآن فان الثقافة هي التي تتحمل الادب، لان الادباء والمثقفين قد اصطلحوا على ذلك، على الرغم من تتالي الانتاج الادبي الذي ضمه المثقفون اليهم وتتالي الانتاج الثقافي الذي ضمه اليهم الادباء، ولنأخذ على ذلك مثالا بالرواية او القصة القصيرة اللتين تكادان تغرقان الساحة الثقافية بانتاج كتابهما، حتى صارتا بديلا للانتاج الادبي الآخر مثل المقالة والمحاضرة والكلمة والخطابة. وعلى ذلك فان صفحات الادب الصحفية قد غلب عليها الانتاج الثقافي الآخر. مثل الكتابات السردية والقصصية والروائية، كما غاب النقد الادبي المباشر الذي يحمل نظرات الناقد الادبي في النتاج الادبي بالذات مثل تناول الكتاب الادبي المباشر ومقالات الكتاب الادباء. والقصص القصيرة المنشورة في العدد السابق من صفحة الادب او ايامه، وبذلك تختفي صفحات الادب الاسبوعية بل اليومية من الصفحات الادبية. وعليه فان الثقافة تبقى هي سيدة الموقف. ولسنا ندعو الى عداوة الثقافة او كراهيتها ولكننا انما ندعو الى تاصيل الادب ومواده وعناصرة بما في ذلك قصيدة الشعر ورباعياته وخماسياته، وكذلك نقداته التي تتناول تلك القصائد الشعرية. وقد اشار الدكتور نبيل راغب في كتابة (موسوعة الابداع الادبي) الى ذلك عندما قال ان المضمون او معنى العمل الأدبي او الرسالة الانسانية التي يريد الاديب توصيلها الى المتلقي كانت دائما محل جدل النقاد والادباء والفنانين والفلاسفة ومثارا لخلاف في وجهات نظرهم وتحليلاتهم وتفسيراتهم عبر العصور خاصة وان ذلك المضمون كان الوجه الآخر للشكل الفني الذي كان ولا يزال القضية المثارة والملزمة دائماً لكل مراحل تطور الأدب بصفة خاصة. انظر من هذه الموسوعة صفحة رقم 346 الناشر مكتبة لبنان الطبعة الاولى سنة 1996م. ونحن اذ نستشهد بهذه المقولة انما نميل بها الى موضوع الموازنة بين الادب والثقافة بحيث نؤكد سلفا وخلفا على جدية الادب واصالته وحيويته في النهوض بعناصر الادب ومقولاته نثرا وشعرا لا بثقافة الفنانين والروائيين والقصاصين والمتفلسفة لأن انتاجهم ثقافي اكثر من كونه ادبياً صرفاً، ومن هنا نحن نخشى على الادب ان تغلب عليه ثقافة اولئك التي قد تتغلب على الادب على مر الأزمنة والأمكنة على الرغم من وجود هذه الظاهرة. فاننا نؤكد على أهمية الأدب ومواضيعه وصفحاته وكلماته ومقالاته واشعاره وقصصه القصيرة التي تزدان بها الملحق الأدبي أما كتب الأدب فهي أهم ما ندعو اليه وقد سارت بصفه شهرية مثل كتاب الهلال وإصدار اقرأ وكتاب الرياض وعالم الفكر وكتاب العربي وما الى ذلك من الإصدارات الأدبية الشهرية وكتب المؤلفين سواء على شكل ومضمون أدبي صرف أو على شكل نقدي وتحليلي، وهناك كثير من كتب الأدب التي سادت في الفترة الخمسينية والستينية والسبعينية من القرن الماضي وتحتاج الى إعادة طبع ونشر أمثال كتب طه حسين وزكي مبارك واحمد أمين وإبراهيم عبد القادر المازني واحمد حسن الزيات ومصطفى لطفي المنفلوطي وأديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي.. هذه الكتب وأمثالها من كتب الأدب ككتاب (طه حسين والشيخان ) لمحمد عمر توفيق، وكتاب (من تاريخنا ) لمحمد سعيد العامودي وكتاب ( بين التاريخ والآثار ) لعبدالقدوس الأنصاري وكتاب (سيرة بطل ) لمحمد حسين زيدان، وكتاب ( دعونا نمش) لأحمد السباعي، وكتاب (عن الفكر الإسلامي ) لمحمد عبدالله مليباري. وسوى ذلك من الكتب الأدبية التي صدرت في تلك الفترات الزاهرة من الزمان سواء في العراق أو في اليمن وحضرموت والمغرب العربي الكبير والشام.. والسودان. ولا نريد اعادة الماضي لمجرد الاعادة ولكننا نتوخى الخير الادبي والرضا الثقافي من اجل الوصول الى محطة كل من الادب والثقافة، ونجعل لكل منهما بؤرة للعلم والادب والفن الثقافي، يمتح منها المتلقون قدر ما يريدون من هذه العناصر التي اعدها لهم الادباء والمثقفون، فهم المصلحون لماقد ينقص من العطاء المعنوي والاثراء الفكري، والامداد الادبي والاحسان الثقافي ان جاز التعبير. فالادب نعمة شعورية وعاطفة حسية من الافكار والمعاني والاراء التي تأتي من ضمن تلك العطاءات المعنوية. وهنا يأتي دور كل من الادب والثقافة في ذاك العطاء بحيث لا يأتي الفصل بينهما ولكن الاديب والمثقف كل منهما يدرك دوره وواجبه. في الساحة المعرفية والكتابية والادبية والثقافية والتصنيفات المؤلفة كتبا واصدارات وعطاءات من الحق المعنوي والبث الادبي فالاديب امامه عناصر وقوات معنوية ومساحات عريضة، كذلك المثقف لديه زخات وعطاءات من المعرفة والفكرة والمعلومة. ويستطيع كل منهما ان يلعب دوره في الحياة الادبية والحياة الثقافية، بكل ما يود ويقدر كلاهما في الامداد الفكري والادبي والثقافي والمعرفي، لذا فلا ينبغي الخلط بين دور الاديب ودور المثقف كما انه لا ينبغي الخلط كليا بين الادب وبين الثقافة. وهنا نود ان نقول ان الاديب الانسان والمفكر عليه ان لا يتخذ البرج العاجي ليتحصن فيه بعيدا عن مجريات الامور في حياته الانسانية والاجتماعية ولكن عليه ان يؤدي دوره في الوجود لذلك كما يقول الدكتور نبيل راغب استاذ النقد الادبي باكاديمية الفنون بالقاهرة في موسوعته الإبداعية الأدبية يتحتم على الاديب الناضج ان يصل الى الاعمق حتى يستخرج عروق الذهب من كهوفه لا ان يعتزل في برجه العاجي فتنفصل جذوره عن التربة الخصبة التي تمد ادبه بالحياة والنماء ويستطرد قائلا : وغالبا ما يرتبط المضمون الفكري او المضمون الادبي في ذهن القراء بل والنقاد بالمعنى او الهدف الذي يقصده الاديب من عمله.ص348 بتصرف. كما أنه لابد ان يستقل الاديب بعمله وعطائه الادبيين عن عطاءات المثقف الفلسفية والفنية والنفسية والتربوية التي ينوء بها الاديب ان وكل بها الشيء الذي ينبغي على المثقف حمله وأداؤه. وان يعطي الكثير من ذلك او من تلك الثقافات والمعارف والافكار. اما الاديب فصاحب رسالة معنوية يكفي وصفها بالادبية والفنية. بل انها لرسالة انسانية واجتماعية على الخط المستقيم، والمثقف انسان مفكر له عقلانية تختلف عن عقلية الاديب الذي يمكننا تلقيبه بالمفكر العطوف. اما المفكر المثقف فهو ذو شأن آخر. ذلك انه مثقف فكري وعقلاني يصف الفكرة بالعقلنة ويعمل من ذلك افكاراً عميقة في الطرح الثقافي الذي يعطي من خلاله ذاك العطاء العميق والعقلاني ! بعكس الاديب الذي يطرح في ساحته كل معنى رقراق كالشلال المتدفق الذي يصب في الارض لتغدو مكانا مزروعا بالحب والعطاء والدفق والاحسان. وهذا ما قصده الدكتور راغب عندما قال : والشكل هو الذي يمنح العمل الفني معناه من خلال التتابع الحتمي بين مراحله حتى النهاية والإنسان لا يستطيع أن يتعرف على شئ على وجه الأرض إلا إذا كان لهذا الشيء شكل يرتسم في ذهنه. نفس المرجع ص 148 بتصرف. وعليه فهناك لدينا فنانان هما الأديب والمثقف، فالأديب والمثقف كلاهما يرسمان أشكالا فنية لكل منهما، هذا بفنه وشعوره، وذاك بعقله وفكره، وهما يرتعان في عطاءات هذا الوجود وهذا الكون الإلهي المبسوط،اللذين هما من آياته وخلقه سبحانه. لذا فكل من الأديب والمثقف يرسمان خواطر وأفكار الناس والمجتمعات بكل عطاءات ذلك، الشيء الذي يجعل من كتاب او ديوان الأديب والشاعر ومن كتاب وإصدار المثقف المفكر عملين إبداعيين، وشكلين فنيين. وهنا يلتقي الاثنان الأديب والمفكر والشاعر والمثقف في ساحات العمل الدؤوب المكون من الآراء والأفكار والمعارف والمعاني. اذاً فليس ثمت فارق بين الشخصيتين أو قل الشخصين كل من الأديب والمثقف إلا من حيث العمل والأداء والفن والهدف واحد وهو الوصول إلى خدمة الإنسان والمجتمع عن طرق ومسالك شتى لكنها جمعاء تؤدي إلى هدف مشترك.