عند متابعة ما يعرض في رمضان الحالي من مسلسلات خليجية وعربية، يبرز فارق أساسي واضح بين الاثنين ألا وهو الجمود والتكرار مقابل التنوع والتجريب. لازالت المسلسلات الخليجية تجتر قديمها، فمعظمها تتناول العلاقات الإنسانية والعائلية بنفس طريقة المعالجة والسرد السابقة، بل وحتى في شخصيات الممثلين والممثلات تتكرر بنفس طريقة الأداء السابق وحتى بنفس الحوارات أحياناً. قد يكون هناك بعض التجارب التي حاولت الخروج عن السائد قليلاً، كمسلسل "كعب عالي" في اختلاف شخصياته وتميز حواراته، أو كمسلسل "ثريا" في جرأة موضوعه، ولكنها لم تنجح في كسر الدائرة تماماً وتقديم عوالم مختلفة. في حين ان المسلسلات العربية، وخاصة المصرية، اختلفت وتنوعت على مستوى الشكل والمضمون. ورغم أنها أيضاً تتطرق للعلاقات الأسرية والعائلية لكنها لا تكتفي بذلك فهناك قصص غنية بالأحداث والشخصيات والصراعات. هناك اقتباسات لمسرحيات كلاسيكية أجنبية وعربية وأفلام أجنبية ونصوص كتبت باقتدار عال لتكشف عوالم مختلفة ومتنوعة، فمن عوالم السجون إلى دهاليز السياسة إلى المجموعات الإرهابية إلى التصوف وغيرها. كما تنوعت أيضاً بين الدراما والكوميديا الاجتماعية والدراما البوليسية والتشويق والمطاردات بل وحتى هناك من قدمت الواقعية السحرية كما في مسلسل "السبع وصايا". كذلك فهناك تداخل للأزمنة وطرق مختلفة في سرد الحكايات. أما على مستوى التجريب في الشكل والسرد البصري، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، توظيف درامي جديد للإضاءة في مسلسل "السبع وصايا"، وهناك أيضاً اهتمام كبير جداً بالزوايا والتأطير وحجم اللقطات في مسلسل "سجن النسا" يجعل المسلسل ينتمي للغة سينمائية خالصة، إضافة إلى المونتاج الذي تميز كثيراً في هذين المسلسلين بشكل خاص. وهناك أيضاً المسلسل الكوميدي "امبراطورية مين"، الذي قدم شكلاً قريباً من المسلسل الأجنبي "Modern Family" حيث تتداخل مقابلة شخصيات المسلسل وتعليقهم على الأحداث مع سردها بالشكل المعتاد. هذا عدا عن ارتفاع مستوى جماليات الصورة بشكل عام في أغلب المسلسلات المصرية. ولا بد من القول بأن هذا التجريب والتنوع هو جرأة وتحد يشكر عليه فريق العمل بشكل عام والمنتجون بشكل خاص، فهم الذين دعموا مالياً هذه الأعمال وراهنوا على نجاحها رغم أن التجريب يعني المخاطرة. لكن من يملك حساً فنياً عالياً يود دائماً أن يقدم الجديد والمختلف والمتميز، وهذا ما أعطى لأعمال رمضان لهذا العام زخماً ورونقاً خاصاً، حتى أنه يصعب تحديد عمل واحد كأفضل عمل تلفزيوني عربي حتى الآن. في المقابل فإن الجنوح إلى التكرار يغلب على معظم الأعمال التلفزيونية الخليجية والسعودية، حيث لا تطور يذكر. ما أن تنجح شخصية في عمل ما حتى يتم تكرارها عشرات المرات حتى يصل المشاهد في النهاية إلى عدم التفاعل معها نهائياً. والأسوأ حين يكون الممثل هو المنتج، لأن هذه الحالة دائماً تقلص دور النص ليكون أشبه بتفصيل يتناسب مع ما يود الممثل تقديمه، دون أن يكون هناك أي منافسة على مستوى الأداء أو رؤية أخرى لمنتج يود أن يقدم الجديد. الإنتاج الخليجي التلفزيوني بأكمله بحاجة إلى إعادة نظر فيما يقدم. وعلى المنتج الخليجي، وليس السعودي فقط، أن يبتعد عن التكرار والجمود، إن أراد المنافسة، وأن يبدأ بشكل واع في التجريب المدروس، وصنع إضافة حقيقية، وإلا فلن يجد من يشاهد أعماله في السنوات القادمة.