في ليلة رمضانية كنت على الطائرة متجه من جدة إلى باريس على الخطوط السعودية، وتأخرت الرحلة كالعادة، ولكن هذه المرة بسبب سوء الأحوال الجوية في جدة، جلس بجانبي رجل أسمر البشرة أنيق جدًّا يحمل جوازًا دبلوماسيًّا، وبعد انتظار في الطائرة ساعة ونصف، أقلعت في نحو الساعة الثانية والنصف فجرا، وبعدها بدأنا الدردشة ليخبرني أنه من دولة بينين، ثم أتت المضيفة لتسأل من الذي ينوي الصيام لتقدم له الوجبة كسحور، بدلاً من الإفطار الصباحي، فابتسم الرجل وأخبرها أنه سيصوم، والتفت إلي وهو يقول بالعربي ما شاء لله.. ما شاء الله، وكان يقصد تعاون الخطوط مع عبادة الصيام، بعدها تم إطفاء الأضواء في الطائرة، واختفى المضيفون ومضت نحو نصف ساعة، وأعلن الكابتن أن من يريد الصيام فوقت الإمساك سيكون بعد عشرين دقيقة، ظل الوضع على ما هو عليه، والرجل يقرأ جريدته في انتظار السحور، ثم أعلن الكابتن مره أخرى أن وقت الإمساك حان وصاحبنا لم يتسحر، فرضي المسكين بالأمر الواقع ونوى الصيام ثم نام! وقبل الوصول بساعتين تمت إضاءة الطائرة، وخرجت المضيفة التي كانت ترتدي طاقية الإخفاء ومعها كنز الوجبات، وعندما وصلت إليّ أعطتني وجبتي ثم أيقظت المسكين من نومه لتسأله صايم ولا تريد وجبة! غضب الرجال وأخبرها أنه صائم، وطلب الوجبة من قبل الإمساك! فتأسفت منه وذهبت لتكمل التوزيع، التفت إلي فأخبرته مباشرة أني أسف لأني سوف أتناول وجبتي وهو صائم، فقال تفضل، ولكن ما فعلته المضيفة معي غير مقبول أبدا خصوصا أننا على الخطوط السعودية، وأنها إسلامية وكان يجب أن تتفهم وضع الصائمين، وتقدم لهم السحور لأنني أخبرتها بذلك، ولو أن هذا حدث على الخطوط الفرنسية أو (لوفتهانزا) لتقبلت الوضع وعذرتهم! لأنهم لا يعرفون هذه العبادة، فلم أعرف ماذا أقول له! وابتسمت له ابتسامة صفراء وقلت في نفسي: الخطوط تعامل الركاب على إنهم مسافرون والمسافر يجوز له الإفطار! ثم طلب بعدها المشرف، الذي جاءه بعذر جاهز مسبقا وبارد فأخبره أنه هو المسؤول عن إعطاء أوامر توزيع الوجبات، ولكن نظرا لضيق الوقت قبل الإمساك لم يكن هناك إمكانية لتوزيع وجبات سحور للصائمين -على الرغم من أن عدد ركاب الطائرة لم يتجاوز ٦٠ راكبا- فرضي صاحبنا المسكين بالعذر والتفت إلي وابتسم ابتسامة صفراء، ثم أخرج مصحف وبدأ بقراءته وأنا أردد في نفسي جزى الله الخطوط السعودية كل خير التي أرادت أن تختبر قوة إيمانك، وجزاك الله كل خير لأنك ستصوم أكثر من ١٩ ساعة ودون سحور! رابط الخبر بصحيفة الوئام: الصيام والخطوط السعودية