إشكالية العلاقة بين الإنسان والمال إشكالية متجذرة في التكوين البشري منذ الأب الأول وستظل حتى آخر من يموت من بني آدم، إذ تتجاذب الواحد منا في علاقته بهذا المحبوب « المال» قوتان: * الرغبة في المزيد مهما علا الرصيد « ولو أن لابن آدم وادياً من مال لتمنى واديين، ولو أن له واديين لتمنى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلى التراب» ، هذا من جهة. ) ومن جهة أخرى قوة النصوص الربانية التي تحكم سلوك كل منا والتي جاءت بالضوابط الشرعية المحددة لدائرة الحلال والحرام في الكسب والضرب في الأرض، ليس هذا فحسب بل عرّضت بالمنطقة الضبابية «المتشابه». ولأسباب عدة - ليس هذا محل عرضها - جعل الإسلام على المسلم واجبا شرعيا في تطهير ماله الذي هو في الأساس «مال الله».. وبعيداً عن الخوض في المقدار الواجب في أنواع الثروات المختلفة - كما هي في كتب الفقه الإسلامي- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت ما يخرجه المرء من زكاة أو صدقة بأنها «أوساخ الناس «، وكأن كل مسلم يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في كل حول ليغسل عن ثروته الوسخ شرعاً، حتى يظل ما يأكله ويشربه ويلبسه أو يؤكله ويُلبسه غيره وكذا ما يستثمره أو حتى يدخره نظيفاً طاهراً طهارة معنوية تؤثر وبشكل قوي ومباشر في: * قرب الإنسان من ربه. * واستجابته له سبحانه حين يدعوه لنفسه أو لغيره. * وتقبله حجه «فرب أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب ..يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام فأنا يستجاب لذلك «. * وسلامته من العقاب الأليم حين يوضع في قبره. * وعندما يفد على الله. والناس في باب إخراج الزكاة أصناف وأشكال: * هناك منا من يعتقد أن عملية التطهير هذه منة منه وفضل. * ومنا وللأسف الشديد ولكثرة أوديته المالية يتعاجز عن حصر ما لديه فيجتهد في إخراج ما يظن أنه قريب مما يتوقع أنه مبرئ لذمته. * وآخرون ينتظرون كلمات الشكر والثناء ممن ابتلاهم الله بالفقر حين يمدون لهم هذه الأيام اليد العليا التي تفضل الله بها عليهم وهم في الحقيقة المستفيد من هذا الغسيل « التطهير». * وصنف رابع لا يفكر أصلاً في إخراج زكاة ماله. * وخامس يعطيها حاشيته ومن حوله ممن هم ليسوا من الزكاة. * وسادس يهم بإخراجها وإذا عرف الرقم الواجب في ذمته نكص على عقبيه فخسر الدنيا والآخرة. * وسابع لا يعرف أصلاً أن فيما يملك من عروض تجارة أو أسهم أو أنعام وأراض زكاة. * وثامن لا يفرق بين الصدقة والزكاة ولا يعلم اشتراط النية حين إخراجها. * وتاسع .... وعاشر..... والواجب على كل من منّ الله عليه بالثروات فصار من أهل الدثور: * أن يشكر الله على ما هو فيه من خير * وأن يعتقد يقيناً أن الرزاق هو الله. * وأن هذا المال الذي في حوزته هو أمانة عنده وسيسأله الله عنه « من أين اكتسبه وفيما أنفقه «. * وأن يبذل جهده في حصر ثروته الحولية . * ويخرج الواجب في ذمته لأهل الزكاة الثمانية الذين حددهم الرب سبحانه في سورة التوبة .. أعاننا الله جميعاً على الانتصار على أنفسنا لا لأنفسنا ووفقنا لما يحب ويرضى وإلى لقاء. والسلام.