من سوء حظي أن أكتب هذه المقالة قبل المباراة الختامية لكأس العالم الأكثر جنوناً في التاريخ، والسبب هو ظروف الطباعة، فالمباراة انتهت فجر اليوم، والمقالة يجب أن توجد باكراً، لهذا لم أعرف من توّج بطلاً للعالم، أهو ميسي ورفاقه باللقب الثالث، أم مولر وماكيناته باللقب الرابع. إن فازت ألمانيا فهو الطبيعي، على رغم كرهي لها، ولكنها الأكثر خطورة، والأشد قسوة، والأبهر تنظيما وتكتيكاً، إن كان دفاعاً أوهجوماً، والأهم أنها الأفضل دفاعياً بوجود حارس من كوكب آخر، هو مانويل نوير الذي أعتبره السبب الأول في وصول بلاده للمباراة النهائية، وهي الأكثر تهديفاً في كل كؤوس العالم، بعدما أزاحت البرازيل في المباراة الأسطورية، والتي ستبقى عالقة في ذاكرة كل من عايشها صغيراً كان أم كبيراً. ألمانيا أجبرت مئات الملايين على البكاء على منتخب عشقوه منذ الصغر وعشقوا فيه الإبداع والمهارة و«الحرفنة» وتعدد المواهب، إلا في هذا المنتخب الذي خرج بطريقة كارثية، لم يتوقعها أشد المتشائمين به، ولم يقدم لنا حتى نجماً واحداً، كما سبق وقدّمت البطولات السابقة بدءاً ببيليه، ومروراً بجارنيشيا وريفيللينو وجيرزينهو وفافا ودونغا وكافو وبيبيتو وريفالدو وروماريو ورنالدو ورنالدينيو وروبرتو كارلوس وكاكا وسقراط وإيدر وفالكاو وجونيور، ووصولاً إلى نيمار الذي «طرقوه عين»، فخرج على نقالة مكسور الظهر، ومكسور الخاطر، ومن دونه كسرت ألمانيا 10 أرقام قياسية عالمية في مباراة واحدة ويكفيها فخراً أنها «ورّت الناس على البرازيل»، فسجلت خمسة أهداف في أقل من نصف ساعة، وأربعة في 6 دقائق، وهدفين في 69 ثانية، وكان يمكن أن يكون هداف كأس العالم من أول نصف ساعة فقط في هذه المباراة، لولا أن الألمان تعاونوا على التسجيل بدلاً من أن يركزوا على مولر وكلوزة الذي اكتفى بتسجيل رقم عالمي جديد، والمصيبة أنه أزاح البرازيلي رونالدو عن الواجهة، وجلس مكانه بـ16 هدفاً في كؤوس العالم. وإن فازت الأرجنتين فيكفيها أنها أثبتت خلال آخر مباراتين أنها ليست مجرد ميسي فقط، بل ميسي وآجويرو وهيجواين وروميرو وماسكيرانو ودي ماريا، ويكفي أن نعرف أن سبعة من 10 ترشحوا لجائزة أفضل لاعب في المونديال، هم من طرفي المباراة النهائية، ولا أظن أن ترشيح نيمار سوى «نفاق عاطفي»، لأن الرجل سجل أربعة أهداف، ثم خرج أمام الكولومبي رودريجيز، فيستحق كالهولندي روبن الذي أعتبره أخطر لاعب في البطولة، إلى جانب ميسي واستغربت جداً عدم وجود اسم نوير الحارس الأول في العالم بين المرشحين بشكل خاص، وأن مواطنه أوليفر كان نال اللقب عام 2002، على رغم خسارة بلاده للنهائي وأمام من؟ أمام البرازيل وبهدفي رونالدو. كل عام وأنتم بخير، وننتظر أربعة أعوام أخرى، لعل العرب يُغيرون من جلدهم، وطريقة تفكيرهم، ويشاركون بأكثر من منتخب ينافس، لا ضيوف شرف. عن الحياة