تسهم الضبابية وانعدام المعلومات الموثقة في توفير مناخ للشائعات والتنظير وفلسفة الأمور، لدرجة يشطح فيها كثيرون ويبتعدون عن الواقع. يعيش على هذا اللغط كثير من المحللين وبيوت الخبرة ومخازن الفكر في كل مكان في العالم. لكن "داعش" أثبتت أنها أكثر تلك الحالات ضبابية وأعجبها وأكثرها مفاجأة لمن اكتشفوا وجودها على حين غرة في سورية، ثم- بشكل درامي وصادم- في العراق. عندما ظهرت "داعش"، وهو الاسم المختصر الذي اعتمد عليه من ربطوا بينها وبين المخابرات الغربية تحديدا، بدت وكأنها تحارب النظام في سورية. لكنها حاربت من يشاركونها الهدف نفسه، قبل قتال جيش النظام. أثار استغراب واستهجان كل من يراقبها. استمرت هذه المجموعة في سلوك الأسلوب نفسه إلى اليوم. في العراق، اختلف الأمر بعض الشيء. ظهرت "داعش" في دور محرر الشعب من حكومة طائفية أذاقتهم الويل على مدى ست سنوات. إلا أن المثير للجدل في حالة العراق أمران مهمان، أولهما أن الجيش سلم معداته وملابسه ومواقعه لـ"داعش" طواعية دون إطلاق طلقة واحدة. نتكلم عن مليارات من الأسلحة والصواريخ والمعدات التي تمثل أحدث ما أنتجته الصناعات العسكرية. الأمر الآخر هو قيام قوات المالكي بمحاربة التنظيم من خلال قصف المدنيين من السنة في المدن التي "احتلتها" "داعش" بطائرات مستعملة استلمتها من روسيا حديثا وعددها عشر طائرات سوخوي 25. الأكثر غرابة أن الطائرات العشر "المستعملة" تنفذ 400 طلعة جوية يوميا، كما صرح قائد القوة الجوية العراقية. هذا الرقم يعني أن كل طائرة تنفذ 40 طلعة يوميا وهو رقم تاريخي يحدث في الأساطير. الأسطورة الأخرى هي مقتل عقيد طيار إيراني في عمليات العراق، على الرغم من عدم مشاركة إيران في العمليات. نستنتج مما سبق أن "داعش" مجموعة تكفيرية سنية تريد أن تطيح بنظام بشار، لكنها تقتل من يحاربونه. تريد إسقاط المالكي، ولكنها تقاتل عن يمينه وعن شماله. حررت "دولة الخلافة"، وهو اسمها الجديد، مدن شمال وغرب العراق من جيش المالكي دون إطلاق طلقة واحدة. يحاربها جيش المالكي بقوة جوية أسطورية تفتك بالمدنيين العزل ولا تقترب من "داعش"، فمن يحل اللغز؟