وأنا أعد لمقال هذا الاسبوع توقفتني عدة عناوين ولكني تركتها كلها لصالح التجاوزات التي يتعرض لها المستهلك. فهذا الموضوع حساس ويحتاج منا كتاب وقراء للتوقف عنده باستمرار فلعل وعسى أن يؤدي ذلك لمعالجة بعض ظواهره الصارخة. وفي الحقيقة فإن العديد من الجوانب السلبية التي نتعرض لها كمستهلكين ما كان لها أصلاً أن توجد أو أن تتضخم وتكبر لو تصدينا لها من البداية. فهذه الشكاوي من التجاوزات التي تحدث أثناء الطلب على السكن وعند الشراء والتسوق أو خلال التعامل مع المصارف كلها بلا مبرر لو أن التشريعات القانونية والجهات المسؤولة عن تطبيقها حسمت الأمور كما يجب من البداية. وأول القطاعات التي تعتبر التجاوزات التي تتم فيه نموذجاً لبقية القطاعات هو العقار. فالمستهلك من أول ما يخطر على باله التعامل مع هذا النشاط فإنه يصطدم، في الكثير من الحالات، بالعديد من الأمور التي يفترض أن يكون محميا ضدها. فمنذ أن تطأ رجلاه عتبة المكاتب العقارية والجشع وسوء المعاملة اللاحقة يتربصان به. وتأتي في المقدمة المبالغة في الأسعار والعمولات التي يترتب عليه دفعها والتي تتجاوز نسبة 2.5% من قيمة عقد البيع أو الاستئجار. بل أن هناك رسوما أخرى لخدمات لا تقدم كالصيانة وإدارة الأملاك. وأعتقد أن القطاع العقاري يحتاج إلى وقفة ليس فقط من قبل وزارة التجارة وإنما من كافة الجهات المعنية مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة المياه والكهرباء وبقية الجهات المقدمة للخدمات. فنحن إذا نظرنا إلى المعاناة والمشاكل التي يولدها هذا القطاع فسوف نرى أن أساسها قانوني. فعدم السماح بإنشاء شركات تمويل عقارية ضخمة، فيما مضى، قد أدى مثلما رأينا إلى انتشار عمائر شقق الطابقين. وهذا أدى ليس فقط إلى التوسع العمراني الأفقي وما تترتب على ذلك من تشوه للمدن من ناحية وصعوبة توفير الخدمات من ناحية أخرى وإنما أيضاً إلى رداءة المساكن نفسها وعدم تمكن ملاكها الصغار من الوفاء بأبسط المتطلبات والالتزامات. والعقار، مثلما نعلم، ليس هو القطاع الوحيد الذي يتعرض فيه المستهلكون إلى تجاوزات. فبقية النشاطات سواء كانت مالية أو تجارية أو خدمية تعيش أجواء المخالفات التي تنال من حقوق الناس. وليس ذلك وحسب وإنما قد تعرض حياتهم للخطر. فهذه النسبة المرتفعة للبضائع المقلدة في الأسواق والتي ربما تصل إلى أكثر من 50% من إجمالي البضائع المعروضة هي واحدة من مصادر الحوادث المتنوعة التي تصيب المنازل أو العربات. وهذا الحوادث لا تتم باستمرار دونما خسائر في الأرواح. كما لا ننسى هنا ما تسببه المطاعم المخالفة من تسمم والأغذية الرديئة من حالات مرضية قد تكون مستعصية في بعض الأحيان. ومجمل القول فإن الناس قد ملت حملات التفتيش الموسمية التي تتم بين الحين والأخر. فهذه كما تدل التجربة غير كافية وحدها. فنحن لا نحتاج إلى رقابة مناسبات بل إلى عمل منظم مستمر قائم على أسس علمية مجربة لحماية المستهلك. وهذا يتطلب بالتأكيد ليس فقط تضافر جهود كافة الجهات المعنية بل ومعرفتها كذلك بأحدث الاساليب المتبعة في هذا المجال.