تثبت دول الخليج دائما أنها تفرق بين الصداقة بين الدول، والوصاية المستفزة. قبل أيام طلبت وزارة الخارجية البحرينية من «توماس مالينوفسكي»، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، مغادرة البحرين، وعدته شخصا غير مرحب به بعد لقاءات عقدها مع جماعات معارضة شيعية على حساب جماعات أخرى، مما عدته حكومة البحرين تدخلا في الشؤون الداخلية بما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية. وفي نفس بيان الإبعاد أكدت البحرين على أن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية متينة وثابتة ولا تشوبها شائبة. يأتي هذا الإبعاد دفاعا حقيقيا عن السيادة على البلاد والدفاع عن مصالح المجتمع البحريني من دون تدخل أحد مهما كان صديقا أو حليفا كالولايات المتحدة. يروي الأمير بندر بن سلطان قصة «رياح الشرق» في فيلم وثائقي عن الملك فهد، وفي سياق القصة ذكر أنه وعندما استوردت المملكة من الصين صواريخ «رياح الشرق» احتجت أمريكا، وحاولت التصعيد. وفي إحدى زيارات مبعوث الرئيس الأمريكي «فيليب حبيب» للمملكة عام 1988، التقى الملك فهد، وكان في معيته السفير الأمريكي (هيوم هوران) في الرياض، قدم السفير حينها مذكرة احتجاج على هذه الصفقة، عندها طالب الملك مغادرة السفير الأمريكي البلاد على الفور، ويعلق الأمير بندر على هذه القصة: «قال لهم الملك فهد أنتم أصدقاؤنا ونحن أصدقاؤكم، ولا أظن الأصدقاء يختلفون على مصالحهم، لكن ثمة شيئا اسمه (سيادة) وهذه المنطقة لا أسمح لأحد أن يمسها حتى أصدقائي.. حتى أعز أصدقائي». نتذكر استقبال الملك فيصل لهنري كيسنجر إبان ذروة الخلاف على الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، وكان الملك جادا حازما، ويصف كيسنجر لقاءه بالفيصل بأنه كان صادما، ذلك أنه استقبل من الملك «ببرود»! البعض يعتبر الخليج محمية أمريكية، ولم يعلم أن ثمة مواقف قوية تلقّن للولايات المتحدة من قبل الدول حفاظا على الاستقلال والسيادة، ولعل موقف البحرين الأخير أكبر دليل. السيادة لا ينازعنا بها أحد مهما كانت معزته، والبحرين قوية بسياستها واستراتيجيتها المعتدلة المتزنة.