الأحساء - عايض العرجاني: «اصحى يا نايم، واذكر ربك الدايم».. في عادة رمضانية قديمة عرفت في أوساط المجتمعات الخليجية وبعض الدول العربية الأخرى يبدأ يومياً من يعرف بالمسحر أو الطبال بشق سكون الليل وهدوئه بترديد مثل هذه العبارات، وهو يجوب الشوارع والأزقة مشياً على الأقدام وحولة لفيف من الأطفال والشباب لإيقاظ الناس لوجبة السحور من خلال قرع الطبل وترديد بعض العبارات الإيمانية والأهازيج الروحانية وهو يمر أمام المنازل وينادي بصوت مرتفع لتنبيه الناس بحلول وقت السحور . وفي محافظة الأحساء وعلى الرغم من تقدم الحياة وتطورها ووجود البدائل الحديثة إلا أن ذلك لم يؤثر على التمسك بإحياء هذه العادة الجميلة وحفظها من الاندثار ، وظلت بفضل حب المجتمع لها وتمسكهم بها صامدة في وجه كل المتغيرات الحديثة ، حتى أنها بقيت قائمة في معظم الأحياء والقرى كما وقفت عليها ( الجزيرة) ولمست حب الناس لهذه العادة واحترامهم لشخص المسحر وجهوده في المحافظة عليها. ففي قرية المركز شرق المحافظة يقول مسحر القرية جاسم البوحمد، الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة منذ 16 سنة بعدما ورثها من شقيقه: أتوشح الطبل وأبدأ طوال شهر رمضان المبارك كل يوم من الساعة الواحدة صباحاً إلى الساعة الثانية والنصف لإيقاظ الناس للسحور من خلال القرع على الطبل وترديد الأهازيج والتهليلات مثل: «لااله إلا الله، محمد رسول الله، لااله إلا الله الذي هو حي لا يموت، وهو على كل شيء قدير، اصحي يا نايم، ووحد الدايم». ويؤكد البوحمد أنه لا يطلب المال من أحد مقابل ما يقوم به فالغالب أن أهل القرية يمدونه بما تجود به أنفسهم في نهاية الشهر الفضيل، وعادة ما يكون ذلك في يوم العيد كعيدية له مقابل جهوده طوال شهر رمضان، ويضيف المسحر البوحمد، أو أبو سعود كما يكنيه أهل القرية: إن ما دفعه للاستمرار فيها ليس جمع المال الذي يعتبر رمزياً ، وإنما إحياء لهذه العادة التي كان شقيقه يقوم بها منذ عشرات السنين الماضية ، وأيضا حب أهل قريته وتشجيعهم له كل عام للقيام بها ، ويضيف: كما ترون يلتف حولي أطفال القرية ويجوبون معي الشوارع وأحياناً يرددون معي الأهازيج، كما أن الكبار يغمرونني بالاحترام والتشجيع. في المقابل فإن أهل القرية يرون في المسحر الشخص الذي حافظ على جزء من تراثها وعاداتها الحميدة، والتي تذكّر الناس بروحانية الشهر ، ونفوا أن يكون قرع الطبل يسبب لهم أو لأطفالهم إزعاجا، بل يؤكدون أن وجود المسحر وأداءه لمهمته بهذه الطريقة يضيف لهم أجواء مميزة ونكهة خاصة في رمضان. وذكروا أنه إذا غاب المسحر يوماً لمرض أو سفر أو خلافه فإنهم يشعرون بفقدان عادة يومية أحبوها واعتادوا عليها.