عبده الأسمري منذ ثلاثة عقود اعتادت مسامع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على ترتيل القرآن الكريم، بصوت انفرادي شجي تحمله حنجرة عبدالرحمن السديس، رئيس شؤون الحرمين الحالي، وأحد أبرز أئمة الجيل القديم في الحرم المكي، اعتاد السديس أن يقرأ القرآن في حقول وهضاب البكيرية قبل أن ينطلق للرياض حاملاً معه أعظم شهادة وأعلى تاج وهو حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز 12 ربيعاً، ودفعه هذا التفوق والشوق إلى التميز في الإبحار والانفراد في التلاوة التي تتلذذ بها آذان السامعين والركع السجود في المسجد الحرام. ساقه القدر ومنحته الثقة والشرف العظيم أن يقف إماما وخطيبا للحرم المكي طيلة 3 عقود، ويصدح بالقرآن في جنبات أطهر بقعة آناء الليل وأطراف النهار. جاء السديس من القصيم حاملا «حقيبة علم» مهاجرا لله ورسوله باتجاه «أم القرى» ليرسم لوحة إبداعية من تناغم صوته وايماءات حنجرته اللفظية مع هدي القلوب وخشوعها ومع وجدان العقول وسطوعها.. ليظهر المشهد الإيماني الجلي في بيت الله الحرام.. ولتسجل ملحمة روحانية ووسمة إيمانية من سمات المكان وقيمة روحانية من بصمات الزمان.. لتلاوة السديس في رمضان حب وعشق خاص يتوالى على الانجذاب عليها الآلاف المؤلفة من ضيوف الرحمن.. فتفطر القلوب شوقاً لله وتدمع العيون وجلاء من العزيز الجبار. هو «عراب» أئمة الحرم، عاصر العشرات منهم فهو لهم قائد وموجه وأخٌ وخبير ومستشار منذ أن يرسم غسق الفجر ملامحه على أم القرى وما حولها ووسط بركات البيت العتيق ينطلق السديس بابتسامته وملامحه التقية وعشقه للبقعة الطاهرة من الأرض وبعيداً عن بروتوكلات المنصب التي تتلاشى بأمر المهمة وشرف المكان يصدح الشيخ الوقور بصوته الشجي في جنبات الحرم.. ليعود بعدها مع بدايات إشراق اليوم «المكي» الممزوج بالإنجاز المبارك بشرف المكانة ليمارس عمله في رئاسة شؤون الحرمين بسمات القائد وبصمات الإمام وسكنات «الإنسان» وإيحاءات «المسؤول» واضعا عينا على معاملات الرئاسة والأخرى على مهمة غالية في إمامة «الحرم المكي» ليعاود الكرة مساء في ممارسة عشقه وهوايته وبطولته وسر سعادته وطريقه المفضل وديدنه في قيادة الصف الأول في الحرم بلحن شجي من مزامير آل داوود.. وحتى تحين مواعيد العشر الأواخر فإن المسلمين المصلين تواقون لدعاء ختم القرآن من «السديس» في ذكرى سنوية تبرمجها ليالي رمضان وتستذكرها قلوب مولعة بالقرآن.