تذهب سيدة سعودية إلى خارج المملكة ربما تكون وجهتها إلى كبرى مدن الموضة أو كبرى المراكز التجارية للماركات العالمية ولتشتري فساتين زفاف أو سهرات أو حفلات تتجاوز عشرات الآلاف من الريالات والبعض ربما يفوق مئات الآلاف،. ناهيك عن تكلفة الرحلة التسوقية على الدرجة الأولى وفنادق خمسة أو سبعة نجوم أحياناً، وتعود هذه السيدة إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض أو مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة محملة بعدد كبير من الحقائب التي تحتاج مساعدة أحد عمال المطار من حاملي الحقائب ممن يعرض المساعدة، وتختار السيدة هذا العامل، ويأتي إليها منتظراً ربما ما يزيد على نصف ساعة مفتشاً أو أكثر على تلك الحقائب من بين مئات الحقائب أو آلافها أحياناً، وبعد حملها في عربته يقودها إلى قسم الجمارك منتظراً بعض الوقت يطول أو يقصر حسب طوابير الانتظار المتغيرة حسب الموسم السياحي، وينزل هذه الحقائب ثم يحملها مرة أخرى في رحلة طويلة يشهد بقساوتها القاصي والداني، ثم تأتي المرحلة الأخيرة من رحلة العامل مع حقائب تلك السيدة، ليحملها في سيارة السيدة وهي بطبيعة الحال سيارة فارهة من الدرجة الأولى بدون ذكر لأسماء تلك السيارات. وبعد أن يضع كامل الحقائب في تلك السيارة، يأتي العامل متجهاً الى تلك السيدة وهو مبتسم وفي كامل تفاؤله أن الجهد الذي بذله في هذه الرحلة الشاقة ناهيك عن كرم تلك السيدة سيأتي ثماره حال فتح تلك السيدة حقيبتها طبعاً ذات ماركة عالمية جداً وبداخلها حقيبة صغيرة أيضا من نفس الطراز، وبينما تقلب تلك السيدة يدها بين العملات السعودية التي تحملها تمتد يدها الى ورقة خمسة ريالات لتمد بها إلى ذلك العامل وكأنها متفضلة عليه، ولكن أول ما يرى هذا العامل ورقة الخمسة ريالات يصطدم إلى درجة أقرب إلى التجلط، وتهم تلك السيدة أن تذهب إلى سيارتها محاولة قطع التواصل مع ذلك العامل، ولكن في داخل نفسها وفي قرارة قلبها تشعر أن هذا المبلغ هو أقل من الرسوم الدنيا المفروضة أحيانا في بعض المطارات.. ولكن صرخات العامل واستنجاده بصوته لعل وعسى تسمعه سيدة المجتمع تلك، وبعد تقربه منها وتوسله لها وترجيه منها تمتد يد تلك السيدة إلى حقيبتها مرة اخرى وهي فخورة جدا أنها تفتح حقيبتها ذات الماركة الشهيرة لعل وعسى أن أحداً ممن حولها سيشاهدها وهي تحمل ماركة تلك الحقيبة، وأخيراً تخرج من حقيبتها خمسة ريالات أخرى وتقذفها للعامل وهي تبتسم هذه المرة قائلة له «افرح» فقد أكرمتك كثيراً. هذه السيدة ليست بطلة قصة رواية خيالية وليست سيناريو أفلام خيال علمي وليست حدثاً غير واقعي وليست قصة كاريكاتير مبالغ فيه، بل إن هذا واقع نشاهده أمام أعيننا في مطاراتنا كمشهد أخير للرحلات التسوقية التي تكلف مئات الآلاف من الريالات وأكثر في بعض الحالات، ولكنها تنتهي بخمسة ريالات تقذف بها في وجه العامل، ونحن متأكدون أن مثل هذه النوعية من السيدات تتمنى لو تبرع العامل لها بتلك الخمسة علها توفرها إلى رحلة قادمة، كما أن تلك السيدة كانت تتمنى ألا يعود إليها العامل مرة أخرى ويحرجها أمام من حولها لتضطر إلى إعطائه خمسة ريالات أخرى. ان هذه السيدة ليست كأي سيدة أخرى فهي ذات تعليم عال في بعض الأحيان ووضع اقتصادي كبير وهي رمز من رموز المجتمع النسائي، وقد تحمل منصباً قيادياً مهماً في مجال عملها.. هذه السيدة فهمت خطأ أن العامل الذي يتغرب عن بلده وأهله ويأخذ مرتباً متواضعاً من شركته التي تؤخره أحيانا لعدة أشهر قد وضعته الدولة في خدمة سعادتها.وهذه السيدة لم تتوان عن دفع عشرات الألوف من الريالات لفستان حفلة أو سهرة وبدون تردد وبابتسامة عريضة للبائع أو البائعة، ولكنها تترددت أن تعطي هذا العامل حتي خمسة ريالات وهي تعلم علم اليقين أنه يستحق الصدقات والزكاوات وكل أعمال الخير. وقصة أخرى لسيدة مجتمع أخرى وعند وصولها لمطار خليجي فقد تفضلت لتعطي عامل الحقائب ما يعادل ثلاثة أو أربعة ريالات وهي تعلم صرف فارق العملة كما أن لديها عملات نقدية كافية وصرفاً كافياً، وهذا ما أدى إلى توتر العامل ورفع صوته عليها، مما أدى إلى تدخل زميلة لها ليست ممن يشار لها بسيدات المجتمع وأعطت عشرة اضعاف ما أعطته تلك السيدة تجنباً لإحراج يمس سمعة الوطن أو المرأة السعودية بوجه خاص. والمشكلة أن تلك النماذج تتكرر: صرف باذخ جداً على التسوق وتقتير استثنائي يبخس العمالة حقوقها. وفي الصالونات النسائية والجلسات الرسمية تتصدر هولاء السيدات المجالس، ولكن في داخلهن هزائم أمام عمل الواجب وعمل الخير وعمل الطيبة.. ولا نقول إلا أن قلة من سيدات المجتمع هن كذلك وبهذه الشاكلة، ولكن حتى واحدة بهذه النوعية هي أزمة كبيرة داخل سيدات المجتمع السعودي.