تسمي «الإيكونومست» الاضمحلال الذي نحن فيه «التراجيديا العربية» على طريقة «التراجيديا الإغريقية». من زمن كانت فيه العصور هي العصر العربي علوما وأحكاما وتجارة وازدهارا، إلى زمن التحلل الوطني والقومي وكثرة الأدعياء والزاعمين، وازدهار تجارة الشر والمحن والقتل المقدس. تنسى «الإيكونومست» الإشارة إلى أن كولومبس اكتشف أميركا بالصدفة لأنه كان يحاول البحث عن طريق جديد إلى الهند لا يسيطر عليه التجار العرب، لكنها لا تنسى أنهم كانوا أسياد طريق الحرير إلى الصين. ولا تنسى أهم علماء الاجتماع وعلماء الرياضيات وعلماء الطب وعلماء الفلك وعظماء القادة، ثم تتأمل الضحالة التي أودى إليها النظام العربي، الذي أفقر الناس وأفرغ المؤسسات وأغلق طرق التجارة وسد أبواب الكفاية والازدهار. لقد عبث النظام العربي بقواعد الأشياء، فسلم الشؤون الاقتصادية إلى العسكريين، والشؤون الدبلوماسية إلى العسكريين، والشؤون العلمية والصناعية والزراعية لهم. وأقام دولة تخدمه وحده بمعزل عن شعبه. وألغى القضاء والقانون، وعمم المحسوبية والتزلم، وجعل الانفتاح حكرا على منتفعيه ونافعيه ودائرة الشركاء والمحاسيب. وما بقي من الدولة الحقيقية شيء سوى الذكرى الواهية بحيث صار سهلا على أي كان أن يدَّعيها. تقول «الإيكونومست» ما كنّا جميعا نخشى أن نقوله، وهو أن هذا الانفجار الجنوني لن يبقى ضمن حدود، وسوف يهدد سلامة العالم أجمع. بل لا يمكن إلا أن يفعل عندما تكون القيادة العالمية على هذا النحو: أوروبا المجاورة تعاني من الفراغ، والبيت الأبيض يعاني من السبات وغلبة النعاس، والكرملين يعاني من عقدة العظمة التي تعطل الرؤيا الحقيقية إلى عطوبية الوضع العالمي، وخطورة التصدع العربي الرهيب، ورعب الصراع المذهبي في ديار المسلمين. إن الحالة الرهيبة التي يمر بها الشرق الأوسط تتطلب قيادات عالمية ذات رؤية سياسية شاملة ومعرفة تاريخية غير سطحية. وهي، للأسف، لا وجود لها؛ لأن الزعامات الكبرى تدمر القضايا الكبرى لغايات صغيرة، ولأن اللاعبين الصغار يتكاثرون ويتكاثر عبثهم في مصائر الأمة، ولا يُدركون إلى أين أوصلها العبث الصغير. في هذه «التراجيديا العربية» أكثر ما يخيف قول الشاعر: إن الزرازير لما قام قائمها توهمت أنها صارت شواهينا إنها في كل مكان.