يقولون: "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"، وهذا صحيح، لكن الأكثر صدقا أن تكون هذه الخطوة في المكان الصحيح وفي الاتجاه الصحيح؛ حتى نصل إلى المحطة التي نريدها عند نقطة نهاية الألف ميل أو مسافة المحطة التي نريد الوصول إليها.. هذا هو سر النجاح؛ لأننا بالمقابل لو لم نضع أقدامنا على أولى درجات السلم الصحيح، سنتجه إلى الوجهة الخطأ، ونكتشف بعد المعاناة والتعب والمشوار والجهد وربما المال إن كان الأمر يتعلق بالتجارة، أننا عند المحطة الخطأ التي نسميها الإخفاق أو الفشل. الأمر ـ تماما ـ مثل السفر إلى محطة معينة نحتاج للوصول إليها معرفة الاتجاه، ونستعد بمركبة سليمة تم فحصها وتزويدها بالوقود، ونحتاج إلى قائد مناسب، ثم التوكل.. غالب الظن هنا الوصول إلى المحطة بسلام.. الخطوة الأولى أسماها Gladwell في كتابه المميز: "اللحظة الحرجة"The Tipping Point البداية لكل أمر، وهي قد تكون لحظة التبدل أو الانحراف التي تؤدي إلى اتجاه جديد سلبي أو إيجابي، وعزا الكثير من الفشل الذي يتعرض له الناس، إلى أنهم لا يدركون هذه اللحظة عندما يمرون بها، فيتجاوزنها أو لا يعطونها حقها من الاهتمام عندما يبدؤون بها. اللحظة الحرجة نمر بها في مناحي حياتنا.. في علاقاتنا وفي أعمالنا وفي تجارتنا.. هي البداية أو هي نقطة تحول في مسيرة تشكل بداية في تلك المسيرة. هي بشكل مبسط الخطوة الأولى التي تبدأ طريقا في أمر من أمور حياتنا، وهي بالذات التي تحدد النجاح أو الفشل. على سبيل المثال في أي مؤسسة أو عمل يقف أي مسؤول عند "اللحظة الحرجة" عندما يقرر استخدام أدوات التقنية أو لا يستخدمها، عندما يقرر التقليل من الاستخدام الورقي أو لا يقرر، المسؤول يقف عند لحظة حرجة ينطلق منها إلى قرار مصيري يحدد بالضبط مدى الذهاب لتحقيق الأهداف من عدمه. هذه اللحظة حرجة كما يقول "جلادويل"؛ لأنها مفترق طرق. الكثير من المسؤولين يصل إلى اللحظة الحرجة ويتعداها دون علم منه أنه للتو مر بلحظة حرجة تقرر فيها نجاح المؤسسة من عدمه. بعض المسؤولين لا يشعر أنه يعيش العصر الرقمي، بعبارة أخرى يعيش خارج العصر الرقمي. يبرر تأخير العمل بمزيد من الدراسة والتأكد من تحقق الجودة، في الوقت الذي يعد ذلك المسؤول هو المشكلة. المشكلة في فكره الذي يعيش به خارج العصر. قليل من أدوات التقنية ومزيد من الاستخدام الورقي.. مزيد من الإجراءات البيروقراطية، هذا المسؤول يعد جزءا من المشكلة ببساطة؛ لأنه مر باللحظة الحرجة ولم ينتبه لها، وأخذ الطريق الخطأ، والطامة الكبرى شعوره بأنه على الطريق الصحيح، حتى مع إحساسه بمعاناة المتضررين من مؤسسته، فهو يظن أنهم لا يقدرون الإنجازات العظيمة التي تقوم بها مؤسسته والمتمثلة في تأخير العمل وبطء الإنجاز وتذمر الناس!. أما اللحظة الحرجة في العلاقات، فعندما عندما نمر بهذه اللحظة وتشكل منعطفا مصيريا قد يكون سلبيا ولا نشعر بهذه اللحظة، ولا نحسم أمرنا فيها بإعطائها ما تستحقه من الاهتمام، فتدمر العلاقة وتبطش بأصحابها. خذوا هذا المثال الصارخ لأحد النجاحات الكبيرة تحققت لشخص عادي؛ بسبب استشعاره للحظة الحرجة واستثمارها لتحقيق أكبر نجاح يمكن أن يحصده فرد.. ثاني أثرى رجل في الصين Zong Qinghou، تخرج من الثانوية العامة، وأرسل إلى الخدمة العامة، ثم عاد ليعمل عاملا في مدرسة، ولاحظ هزالة جسم الطلاب، فقرر أن يعمل لهم شيئا، وهنا اللحظة الحرجة، عندما استدان مبلغا من المال، وقرر إعداد عصير مغذ للطلاب، بعدما سأل بعض المختصين عن العناصر التي يجب أن يحتوي عليها ذلك العصير، وتفاعل الطلاب وأهاليهم بشراء العصير؛ لأنهم وجدوا فرقا في صحة أبنائهم، فتحول Zong في عام 1987 إلى مدير وصاحب شركة مشروب WAHAHA الصيني الشهير، التي تمتلك 150 مصنعا في الصين في 60 موقعا، عدد العاملين فيها 60,000 عامل 12,000 منهم تحت إدارته الشخصية، وبلغت ثروته 18 مليار دولار، ليكون ثاني أثرى أثرياء الصين، وهو خريج ثانوية عامة فقط، التقط اللحظة الحرجة، وبدل مسار حياته بالخطوة الأولى الصحيحة، التي وضع أقدامه عليها، وسار ليصل إلى محطة النجاح الباهر التي وصل إليها. كل ذلك كان بفعل بداية. ولو نظرنا إلى النجاحات المتحققة لكل الناجحين، والفشل الذي تعرض له كل الفاشلين، لوجدنا البداية هي المسؤولة عن كل ذلك. نحن كمسلمين نقول التوفيق.. هذا صحيح.. ونحن ندرك الكثير من العوامل التي تحقق النجاح من كوادر مؤهلة وإدارة إلى غير ذلك وهذا صحيح.. لكننا هنا نتحدث عن أنه إذا وجدت الكوادر والإدارة وكل عوامل النجاح، ولم تتحقق البداية الصحيحة، لما تحقق النجاح.. البداية الصحيحة التي نضع أقدامنا على الخطوة الأولى فيها هي اللحظة الحرجة، التي نبدأ بها مسيرة أو منعطفا يشكل الخطوة الأولى لمسيرة جديدة، وهذه أخطر ما يمر بحياة الإنسان؛ إذ هي بداية نجاح باهر أو فشل ذريع.. وأرجو أن أكون قد قمت بتصوير تلك اللحظة بوضوح لأهميتها القصوى في حياتنا على كل المستويات لما لها من تأثير قوي جدا مسؤول بالدرجة الأولى عن النجاح أو الإخفاق.