×
محافظة المنطقة الشرقية

شاب مكي: حققتُ حلم والدي بخدمة ضيوف الرحمن

صورة الخبر

* يبدو كثير منا في أغلب الأحيان بحالة ارتباك وتلعثم أمام المسؤول بشكل غريب لا يمكن تبريره على الإطلاق. والأغرب في هذا، أن كثيرا من المسؤولين من يتوهم في قرارة نفسه أن حالة الارتباك والتودد التي يبديها الموظف تجاهه هي بمنزلة إقرار بعظمة شخصيته الفذة! بيئة العمل تُعد المعيار الحقيقي لمدى التزام أي مجتمع بمبادئ العدل والمساواة بين مواطنيه، فهي المرآة العاكسة لتطور المجتمع أو تخلفه. وفي أي بيئة عمل لا بد من وجود منغصات ومشكلات تختلف باختلاف ثقافة المجتمع، لأن تلك المنغصات أو المشكلات هي بالضرورة انعكاس حقيقي لعيوبه ومثالبه. إذاً من البديهي أن تؤثر الأجواء السيئة التي تسود بيئة العمل في كفاءة وإنتاجية الموظفين، بل قد تكون في بعض الأحيان سببا رئيسا لتفشي كثير من الصفات الذميمة مثل النفاق والتزلف والكذبإلخ. وهذا ما يحرضني حقيقة للكتابة عن المسكوت عنه في بيئة العمل في مؤسساتنا الحكومية التي تحولت بمرور الزمن إلى مصنع لاستنساخ الشخصيات الاستبدادية، لذا سأنتهج نهجاً تعميمياً في تشخيصي لبيئة العمل، وحجتي الوحيدة في هذا التعميم هي المعايشة اليومية والتجربة الشخصية التي رسخت في ذهني هذه الحقيقة المؤسفة، فالمنصب في العرف المهني المغلوط يتطلب نوعاً من التهميش والتجاهل لكفاءة من هم أدنى مرتبة وظيفية من فخامة السيد المسؤول! وفي هذا يستوي أسفل السلم الوظيفي وأعلاه، ولا فرق لكل الاعتبارات الأخرى مثل الخبرة والعطاء والتسلسل الوظيفي فكلهم في نظره مجرد موظفين! وهذا خطأ فادح يرتكبه هؤلاء المستبدون في حق أوطانهم، لأن تطور الأوطان لا يتحقق دون وجود كفاءات تستشعر حجم المسؤولية التي يسندها إليهم المديرون على مدى مختلف المراحل الوظيفية، وأعني بالاستشعار في هذا السياق، هو ذلك التقدير المعنوي الذي يعزز في النفس ثقتها، حيث لا يختلف اثنان على أن المكتسبات المعنوية هي من أهم الأسباب في تشكيل الشخصية القيادية في كل المجالات. أدرك أن لكل شيء استثناءات، لكن هذه الاستثناءات لن يكون باستطاعتها تغيير شيء على أرض الواقع؛ لأنها بكل بساطة مجرد استثناءات محاصرة بثقافة سائدة في بيئة عمل غير سوية. إذاً الحديث عن الاستثناء هو من قبيل ذر الرماد في العيون، وهذا ما يجبرني على أن أتخلى مكرهاً عن فكرة الحديث عن هؤلاء السويين. فالهدف الأسمى من طرح مثل هذه المواضيع المرتبطة بكينونة الإنسان وطموحاته المشروعة يستلزم تجاوزاً متعمداً لمثل هذه الحالات كي ندرك حجم مأساة الواقع الذي نعيش فيه. ما يلفت نظريَ كثيرا في بيئة العمل هو وجود ظاهرة لا أجد لها تفسيراً منطقياً، حيث يبدو كثير منا في أغلب الأحيان بحالة ارتباك وتلعثم أمام المسؤول بشكل غريب لا يمكن تبريره على الإطلاق. والأغرب في هذا، أن كثيرا من المسؤولين من يتوهم في قرارة نفسه أن حالة الارتباك والتودد التي يبديها الموظف تجاهه هي بمنزلة إقرار بعظمة شخصيته الفذة! لذا تجده يمعن في إذلال الموظف بقسوة عباراته وتعليقاته الساخرة دون أدنى مراعاة لمشاعره وآدميته، ومع الأسف إن سلبية الموظف في مثل هذه المواقف امتدت آثارها إلى زملائه الآخرين، حيث جعلت من بعض المديرين من يذهب بعيداً باستخدامه شتى أساليب الاستبداد مع آخرين كانت لهم ردود أفعال مغايرة تماماً عن ثقافة القطيع التي يجسدها ذلك الموظف التعيس، بسبب أنهم لم يقبلوا بسياسة التركيع والإذلال، مما أوجد أنماطاً من الاستبداد حدت كثيراً من تطور العمل الإداري في مختلف القطاعات كنتيجة حتمية لعلاقة غير سوية بين الرئيس والمرؤوس؛ لأن التجارب والخبرات التي تنتج عن علاقة كهذه حتما ستدور بشكل أو بآخر في فلك الاستعباد الوظيفي الذي حجّم من قدرات الموظفين وجعلهم ينهجون ذات النهج الذي يتبعه مديروهم أثرة للسلامة. فكم من موظف تعرض في بداية حياته الوظيفية للتهميش والتجاهل لمجرد أنه توهم أن تحقيق الذات حق مشاع للجميع ثم يكتشف مع تقادم الزمن وتراكم التجربة أن حياته الوظيفية انتهت مع أول خلاف مع رئيسه في العمل! كم هي قاسية تلك النتائج على أولئك الذين لم يتقبلوا مثل ذلك الجفاء الذي يبديه بعض المسؤولين في التعامل، بسبب اعتراضهم الذي لا يخرج عن دائرة الدفاع عن الكرامة والاعتزاز بالذات! وهي من الحقوق التي تأتي في مقدمة سلم الأولويات في أي بيئة عمل، حيث لا تستقيم بدونها العلاقة بين الرئيس والمرؤوس على اعتبار أن المهارات القيادية تتطلب احتكاكاً مباشراً حتى تتعزز في شخصية الموظف الذي سيتولى يوماً ما مسؤوليات قد تفوق في أهميتها مسؤوليات مديره بمراحل كبيرة. تكمن المشكلة من وجهة نظري في أننا نساهم دون وعي بخلق شخصيات استبدادية من حولنا بسبب المبالغة في إظهار الاحترام لمن يتبوأون مناصب قيادية في وزاراتنا بصورة لا تخلو من التزلف والتملق بحثاً عن مكاسب وظيفية دائماً ما تأتي على حساب القيم والأخلاق. والحديث عن هذه الإشكالية يبدو شائكاً، وغير مرحب به حتى لدى أولئك المكتوين بنار الاستبداد والتسلط، ربما لأنهم يستلذون في دواخلهم بالعبارات الجافة وغير المهذبة في بعض الأحيان، لذا تجدهم يتفانون في تبرير هذا التعامل غير الإنساني ويتقبلونه بصدر رحب، وكأنه الطريقة المثلى لتجسيد العلاقة بين الموظف والمسؤول! وهي بكل صراحة تمثل ثقافة عمل ترسخت وتجذرت في وزاراتنا بمباركة اجتماعية واسعة النطاق. خذ على سبيل المثال لا الحصر، حينما يبادر الموظف بإلقاء تحية الصباح على رئيسه في العمل ولا يجد أي ردة فعل سوى التجاهل من رئيسه بحجة الانشغال بأمر ما. يحدث هذا كثيراً دون أن ينشغل الموظف بالتفكير حول سبب التجاهل الذي أبداه رئيسه تجاهه! فالأمر أصبح في العرف المهني في عقلية الموظف نوعاً من البريستيج الذي لا يحق لأحد أن يمارسه سوى المديرين! هذا مثال بسيط على التنازل طواعيةً عن الحقوق المعنوية والأدبية في أوساط بيئة العمل في مؤسساتنا الحكومية، فما بالك بالحقوق الجوهرية التي لا أود الخوض في بحارها المهلكة. متى يدرك الموظف أن الاحترام الذي لا يقابله احترام هو استنزاف وهدر لكرامته وآدميته؟ فالعلاقة الإنسانية الطبيعية أساسها الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف بغض النظر عن المناصب الوظيفية والاعتبارات الأخرى.