أمرنا الله سبحانه وتعالى بالقراءة لنعلم ونفهم. وأنزل القرآن الكريم باللغة العربية لتكون لغة الدين والعبادة والقراءه وليحث المسلمين على اختلاف لغاتهم على تعلمها لفهم الدين والقرآن الكريم فهما صحيحا. ولكننا للأسف أهملنا اللغة وابتعدنا عن الدين ومازلنا نعتقد بأننا نتكلم العربية ونفهمها ونستطيع فهم القرآن بمجرد قراءته. أضف إلى ذلك أننا عندما نقرأ القرآن، نقرأه حسب خلفياتنا ونمزج معانيه بفهمنا الذي تشوبه ثقافتنا وبيئتنا الاجتماعية. ونخلط فهمنا له بفكرنا تارة و بموروثنا تارة أخرى. بينما كنت أقرأ القرآن الكريم استوقفتني الآية الكريمة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.. وأعدت قراءتها مراراً وتكراراً. قد يكون سبب توقفي عند هذه الآية الكريمة العظيمة هو عدم فهمي الكامل لها. أو قد يكون توجهي الفكري نحو «نون النسوة» هو ما استوقفني. ولكن هذا التوقف حدا بي إلى البحث في مكنونات الآية من الناحية اللغوية. مع أن هذه الآية الكريمة هي من أكثر الآيات استشهادا من قبل أفراد المجتمع ولأسباب عدة، إلا أن القليل منا يفهم دلالاتها اللغوية. استوقفتني الشدة على واو «قوامون» والباء الموجودة في كلمة «بما» وتساءلت عن سبب ورودهما في الآية. فالقرآن هو إعجاز لغوي وكل حرف به معجزة قائمة بذاتها وكل مفردة به جاءت للدلالة على أمر جلل. فتشكل في ذهني سؤالان: أولهما سبب استخدام الشدة والباء والآخر كيفية الحصول على أجوبة لسؤالي الأول. أثناء بحثي في معاجم اللغة وقراءتي لبعض أجزاء كتاب لسان العرب لابن منظور وقراءتي لتفاسيربعض العلماء وجدت أن كلمة قوامون هي صيغة مبالغة وأنها تستخدم للدلالة على الزيادة في الأمر أو لكثرة حدوثة والخيار الثاني هو الأقرب للاستخدام في الآية فالقوامة من قبل الرجال على النساء هي الأغلب حدوثا. ثم ماذا تعني القوامة أصلا؟ القوامة في اللغة هي القيام بتنظيم الأمور والشؤون الإدارية والمالية وهنا تعني القيام بشؤون البيت فهو إذا أمر وتكليف لا تشريف وهذا ما تدل عليه بقية الآية. ثم تأتي كلمة «بما» لتفيد الصلة فالرجال قوامون على النساء ولكن بماذا؟؟ بالذي فضل الله به بعضهم على بعض أي أنهم متساوون في التفضيل حيث فضل الله بعضهم على بعض وليس الرجال على النساء أو النساء على الرجال. فلكل خصائصه ومميزاته التي حباه الله سبحانه وتعالى بها. إذا فهم متساوون في التفضيل مختلفون في الخصائص الموجبة للتفضيل نفسه.. لقد جعل الله عباده متساوين ولم يختص بالفضل لأحد دون الآخر فهو سبحانه وتعالى العادل العدل. فالقوامة إذا تكليف للرجل وليست فضلا أو تشريفا كما يعتقد الكثيرون. وهي كذلك خاضعة للفضل والتفاضل والكثير من العلماء يقول بسقوطها عن من لم يقم بها كما أمر الله. اللغة العربية هي مفتاح فهم القرآن الكريم ولكن القليل منا يفهمها ويفهم استخداماتها. نحن نحتاج أن نعي أن هذه اللغة بعلومها ونحوها وصرفها هي لغة القرآن ونحتاج أن نستوعب معنى عبارة «لغة القرآن». علينا أن ندرك أن استيعابنا للغتنا الجميلة سيسهل علينا فهم ديننا ودنيانا. لغتنا العربية يجب أن لا تكون كلاما في مقررات دراسية بل منهاج حياة يبعدنا عن التشدد في فهمنا للدين ويعلمنا فوائد التشديد الوارد في كثير من كلماته سبحانه وتعالى. فسبحان من أنزل القرآن لينظم به شؤون خلقه الذين يعجزون أو يتعاجزون عن فهمه.